٢٨ ـ (لِيَعْلَمَ) الله سبحانه ، والمراد بعلمه هنا وجود المعلوم وثبوته واقعا (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) أي أن الله سبحانه صان رسالات أنبيائه من التغيير والتحريف لكي يتم التبليغ ويتحقق كما علم الله وأراد ، ولذا قال سبحانه بلا فاصل : (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) علم سبحانه أن أنبياءه قد بلّغوا رسالاته كما هي لم ينقصوا منها أو يزيدوا فيها أو يبدلوا حرفا بحرف وإلا تبطل حجج الله على العباد وبيناته (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) فكيف لا يحصي على رسله أقوالهم وأنفاسهم حين يبلّغون رسالاته إلى عباده؟.
سورة المزّمّل
مكيّة وهي عشرون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) وأصله المتزمل من تزمل إذا اشتمل بثيابه ، وكان النبي (ص) حين النداء مشتملا بكسائه فخاطبه العلي الأعلى بالوصف الذي هو عليه ملاطفة له.
٢ ـ (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) أحي الليل في الصلاة والعبادة ما عدا جزءا قليلا منه ، تأوي فيه إلى فراشك.
٣ ـ ٤ ـ (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) نصفه بدل بعض من كل وهو الليل ، وعليه يكون المعنى لك يا محمد أن تقوم لله النصف من الليل أو أقل من النصف بقليل أو أكثر منه أيضا بقليل (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) اقرأه على مهل آية فآية كي يتدبر القارئ والسامع معناه ومرماه.
٥ ـ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) المراد بالقول هنا القرآن بالاتفاق ، ولكن هل الثقل في تلاوة القرآن وكفى؟ ويجيب القرآن نفسه عن هذا السؤال حيث يقول لمحمد (ص) : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ـ ١ ابراهيم» ومعنى هذا أن على محمد أن يتحدى مشاعر الناس ، كل الناس ، وعواطفهم ، وأن يثور على آلهتهم ومقدساتهم وعلى عقولهم وأفكارهم وعلى عاداتهم الموروثة وأسلوب حياتهم ، ومن هنا جاء الحمل الثقيل والخطب الجليل ، ولكن شخصية محمد وصلابتها في تحمل الأثقال هي السر لاصطفائه ودعوته إلى أن يحمل على هذا العبء الجليل الثقيل والله يعلم من خلق وأرسل. انظر تفسير الآية ١١ من الطلاق.
٦ ـ (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) ناشئة الليل : ساعات القيام فيه ، وأشد وطأ : أكثر مشقة من القيام في النهار ، وأقوم قيلا : أصوب قراءة ، والمعنى أن الإنسان في عبادته ليلا يتوجه إلى خالقه أكثر منه نهارا سواء أكانت العبادة صلاة أم دعاء وتسبيحا أم تلاوة لكتاب الله.
٧ ـ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) سبحا : تصرفا وتقلبا في الأعمال كما يتقلب السابح في الماء ، والمعنى الليل للعبادة والنهار للعمل.
٨ ـ (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) ادع إليه (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) انقطع إليه ، وتوكل عليه ، واستعن به وحده.
٩ ـ (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) كناية عن عظمته