الصَّالِحاتِ) المراد بالخسر هنا الخسر في الآخرة كما نطقت الآية ١٥ من الزمر : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) وعليه يكون المعنى أن كل ما يملكه الإنسان من غرائز ومواهب ومناصب ، وكل جهد يقوم به أو ربح يكسبه في الحياة الدنيا ـ فلا يغني عنه شيئا يوم القيامة إلا ما كان لوجه الله والخير ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ـ ١٥٢ البقرة» (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) أي أوصى بعضهم بعضا بفعل الواجبات وترك المحرمات (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) بالثبات على طاعة الله ، وتحمل المشاق والمكروه في سبيلها وسبيله. ونقل عن الشافعي أنه قال : لو لم ينزل من القرآن سوى هذه السورة لكفت الناس.
سورة الهمزة
مكيّة وهي تسع آيات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
١ ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الويل : الخزي والهوان ، والهمز واللمز والغمز بمعنى واحد في القرآن ، قال سبحانه : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) ـ ٣٠ المطففين ... (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ـ ١١ القلم ... (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) ـ ٥٨ التوبة» والمراد واحد في هذه الآيات وهو الطعن والعض والنهش في أعراض الناس.
٢ ـ (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) يعده شغفا وتلذذا ، وهو الذي دفعه إلى الحط من كرامة الناس.
٣ ـ (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أيظن أن هذا المال يدفع الموت عنه أو ينجيه من حساب الله وعذابه؟
٤ ـ (كَلَّا) لا تجديه الأموال نفعا ، بل (يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) ـ ٣٥ التوبة» (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) هي جهنم تحطم الطغاة ، وتدمر المتغطرسين.
٥ ـ (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) إنها فوق التصور.
٦ ـ (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) نار الغضب لا نار الفحم والنفط والحطب ، نار قال لها الجليل كوني أشد من نار الدنيا ألما وعذابا فكانت ... رحماك يا الله رحماك على من حمل القلم وسهر الليالي الطوال لإعلاء كلمتك.
٧ ـ (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) تحرق وتكوي من يستحق العذاب ، وخصّ سبحانه الأفئدة بالذكر ، لأنها مواطن الحقد واللؤم والحسد.
٨ ـ (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) مطبقة لا مفرّ منها إلّا إليها ، وتقدم في الآية ٢٠ من البلد.
٩ ـ (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) عمد : جمع عمود ، وممددة : مطولة ، وهذا كناية عن شدة الإطباق والإحكام.