إلى الكسر ، وأجراه مجرى المتّصل ؛ لأنه لا يكاد يستعمل الحمد منفردا عما بعده.
والربّ : مصدر ربّ يربّ ، ثم جعل صفة كعدل وخصم ؛ وأصله رابّ.
وجرّه على الصفة أو البدل. وقرئ بالنصب على إضمار أعنى ؛ وقيل على النداء. وقرئ بالرفع على إضمار هو.
(الْعالَمِينَ) : جمع تصحيح ، واحده عالم ، والعالم : اسم موضوع للجمع ، ولا واحد له في اللفظ ؛ واشتقاقه من العلم عند من خصّ العالم بمن يعقل ؛ أو من العلامة عند من جعله لجميع المخلوقات.
٣ ـ وفي (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الجر والنصب والرفع ، وبكلّ قرئ على ما ذكرناه في ربّ.
٤ ـ (ملك يوم الدين) :
يقرأ بكسر اللام من غير ألف ، وهو من عمر ملكه ؛ يقال : ملك بيّن الملك ـ بالضم.
وقرئ بإسكان اللام ؛ وهو من تخفيف المكسور ، مثل فخذ وكتف ؛ وإضافته على هذا محضة ، وهو معرفة ؛ فيكون جرّه على الصفة أو البدل من الله ؛ ولا حذف فيه على هذا.
ويقرأ بالألف والجر ، وهو على هذا نكرة ؛ لأن اسم الفاعل إذا أريد به الحال أو الاستقبال لا يتعرّف بالإضافة ؛ فعلى هذا يكون جرّه على البدل لا على الصفة ؛ لأن المعرفة لا توصف بالنكرة.
وفي الكلام حذف مفعول ، تقديره مالك أمر يوم الدين ، أو مالك يوم الدين الأمر.
وبالإضافة إلى «يوم» خرج عن الظرفية ؛ لأنه لا يصحّ فيه تقدير في ، لأنها تفصل بين المضاف والمضاف إليه.
ويقرأ ـ مالك ـ بالنصب ـ على أن يكون بإضمار أعنى ؛ أو حالا.
وأجار قوم أن يكون نداء.
ويقرأ بالرفع على إضمار هو ، أو يكون خبرا للرحمن الرحيم على قراءة من ويقرأ مليك يوم الدين رفعا ونصبا وجرّا.
ويقرأ ملك يوم الدين على أنه فعل ، ويوم مفعول أو ظرف.
والدين : مصدر دان يدين.
٥ ـ (إِيَّاكَ) : الجمهور على كسرة الهمزة وتشديد الياء.
وقرئ شاذّا بفتح الهمزة. والأشبه أن يكون لغة مسموعة.
وقرئ بكسر الهمزة وتخفيف الياء. والوجه فيه أنه حذف إحدى الياءين لاستثقال التكرير في حرف العلة ، وقد جاء ذلك في الشعر ؛ قال الفرزدق :
تنظرت نصرا والسمّاكين أيهما |
|
عليّ مع الغيث استهلّت مواطره |
وقالوا في أما : أيما ، فقلبوا الميم ياء كراهية التضعيف.
وإيّا عند الخليل وسيبويه اسم مضمر ؛ فأما الكاف فحرف خطاب عند سيبويه لا موضع لها. ولا تكون اسما ؛ لأنها لو كانت اسما لكانت ايا مضافة إليها ، والمضمرات لا تضاف.
وعند الخليل هي اسم مضمر أضيفت إيّا إليه ؛ لأن إيّا تشبه المظهر لتقدّمها على الفعل والفاعل ، ولطولها بكثرة حروفها. وحكى عن العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإياه ، وإيّا الشواب.
وقال الكوفيون : إياك بكمالها اسم ؛ وهذا بعيد ؛ لأن هذا الاسم يختلف آخره بحسب اختلاف المتكلم والمخاطب والغائب ؛ فيقال : إياي وإياك وإياه.
وقال قوم : الكاف اسم ، وايا عماد له ، وهو حرف ؛ وموضع إياك نصب بنعبد.
فإن قيل : إياك خطاب ، والحمد لله على لفظ الغيبة ؛ فكان الأشبه أن يكون إياه.
قيل : عادة العرب الرجوع من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة. وسيمرّ بك من ذلك مقدار صالح في القرآن.
قوله تعالى : (نَسْتَعِينُ) : الجمهور على فتح النون. وقرئ بكسرها وهي لغة ؛ وأصله نستعون ؛ نستفعل من العون ؛ فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى العين ، ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
٦ ـ (اهْدِنَا) : لفظه أمر ، والأمر مبني على السكون عند البصريين ، ومعرب عند الكوفيين ؛ فحذف الياء عند البصريين علامة السكون الذي هو بناء ، وعند الكوفيين هو علامة الجزم.
وهدى يتعدّى إلى مفعول بنفسه ، فأمّا تعدّيه إلى مفعول آخر فقد جاء متعدّيا إليه بنفسه ؛ ومنه هذه الآية ؛ وقد جاء متعديا بإلى كقوله تعالى : (هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). وجاء متعديا باللام ، ومنه قوله تعالى : (الَّذِي هَدانا لِهذا).
والسّراط ـ بالسين هو الأصل ؛ لأنه من سرط الشيء إذا بلعه ، (وسمّي) الطريق سراطا لجريان الناس فيه كجريان الشيء المبتلع.
فمن قرأه بالسين جاء به على الأصل ، ومن قرأه بالصاد قلب السين صادا لتجانس الطاء في الإطباق ، والسين تشارك الصاد في الصّفير والهمس ؛ فلما شاركت الصاد في ذلك قربت منها ؛ فكانت مقاربتها لها مجوّزة قلبها إليها لتجانس الطاء في الإطباق.
ومن قرأ بالزاي قلب السين زايا ، لأن الزاى والسين من حروف الصّفير ؛ والزاى أشبه بالطاء ، لأنهما مجهورتان.
ومن أشمّ الصاد زايا قصد أن يجعلها بين الجهر والإطباق.
وأصل (الْمُسْتَقِيمَ) مستقوم ، ثم عمل فيه ما ذكرنا في نستعين ، ومستفعل هنا بمعنى فعيل ؛ أي السراط القويم.