ومن هنا نكرة موصوفة ، ويقول : صفة لها ؛ ويضعف أن تكون بمعنى الذي ؛ لأن «الذي» يتناول قوما بأعيانهم ، والمعنى هاهنا على الإبهام. والتقدير : ومن الناس فريق يقول.
ومن موحّدة اللفظ ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد ، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد ؛ حملا على لفظها ، وأن يثنّى ويجمع ويؤنث حملا على معناها. وقد جاء في هذه الآية على الوجهين ؛ فالضمير في يقول مفرد ، وفي آمنّا وما هم : جمع.
والأصل في يقول : يقول ـ بسكون القاف وضمّ الواو ؛ لأنه نظير يقعد ويقتل ، ولم يأت إلا على ذلك ، فتقلت ضمة الواو إلى القاف ؛ ليخفّ اللفظ بالواو ، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة ؛ بل تقول : قل ؛ لأن فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل.
(آمَنَّا) : أصل الألف همزة ساكنة ، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان ، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها ، ووزن آمن أفعل من الأمن.
و (الْآخِرِ) : فاعل ، فالألف فيه غير مبدلة من شيء.
(وَما هُمْ) : «هم» ضمير منفصل مرفوع ب «ما» عند أهل الحجاز ، ومبتدأ عند بني تميم ، والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشيء ؛ وهكذا كلّ حرف جر زيد في المبتدأ أو الخبر ، أو الفاعل ، و «ما» تنفي في الحال ، وقد تستعمل لنفي المستقبل.
٩ ـ (يُخادِعُونَ اللهَ) : في الجملة وجهان :
أحدهما : لا موضع لها.
والثاني : موضعها نصب على الحال ، وفي صاحب الحال والعامل فيها وجهان :
أحدهما ـ هي من الضمير في يقول ، فيكون العامل فيها يقول ، والتقدير : يقول آمنّا مخادعين.
والثاني : هي حال من الضمير في قوله :
بمؤمنين ، والعامل فيها اسم الفاعل ؛ والتقدير :
وما هم بمؤمنين في حال خداعهم.
ولا يجوز أن يكون في موضع جرّ على الصفة لمؤمنين ؛ لأنّ ذلك يوجب نفي خداعهم ؛ والمعنى على إثبات الخداع.
ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنّا ؛ لأن آمنّا محكيّ عنهم بيقول ، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنّا لكانت محكيّة أيضا ، وهذا محال لوجهين :
أحدهما : أنهم ما قالوا آمنّا وخادعنا. والثاني : أنه أخبر عنهم بقوله : يخادعون ، ولو كان منهم لكان : نخادع ـ بالنون.
وفي الكلام حذف تقديره : يخادعون نبيّ الله.
وقيل : هو على ظاهره من غير حذف.
وما يخادعون. وأكثر القراءة بالألف ، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين ، وهي على ذلك هنا ؛ لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي يدور الخداع بينهما ، فهم يخدعون أنفسهم ، وأنفسهم تخدعهم ؛ وقيل المفاعلة هنا من واحد ؛ كقولك : سافر الرجل ، وعاقبت اللّص.
ويقرأ يخدعون بغير ألف مع فتح الياء.
ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان ؛ فكأنه قال : وما يخدعهم الشيطان.
(إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ؛ أي عن أنفسهم ، وأنفسهم منصوب بأنه مفعول ، وليس نصبه على الاستثناء ؛ لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
١٠ ـ (فَزادَهُمُ اللهُ) : زاد يستعمل لازما ، كقولك : زاد الماء. ويستعمل متعديا إلى مفعولين ، كقولك : زدته درهما ، وعلى هذا جاء في الآية.
ويجوز إمالة الزاي ؛ لأنها تكسر في قولك زدته ، وهذا يجوز فيما عينه واو ؛ مثل خاف ؛ إلا أنه أحسن فيما عينه ياء.
(أَلِيمٌ) : هو فعيل بمعنى مفعل ؛ لأنه من قولك : الم فهو مؤلم ، وجمعه آلام وإلام ، مثل شريف وشرفاء وشراف.
(بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) : هو في موضع رفع صفة لأليم ، وتتعلق الباء بمحذوف ، تقديره : أليم كائن بتكذيبهم ، أو مستحقّ.
وما هنا مصدرية ، وصلتها يكذبون ، وليست «كان» صلتها لأنها الناقصة ، ولا يستعمل منها مصدر.
ويكذبون في موضع نصب خبر كان.
وما المصدرية حرف عند سيبويه ، واسم عند الأخفش ، وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء.
١١ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) : إذا في موضع نصب على الظرف ، والعامل فيها جوابها ، وهو قوله : قالوا.
وقال قوم : العامل فيها قيل ؛ وهو خطأ ؛ لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف.
وأصل قيل قول ، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت ، وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء ، كما فعلوا في أدل وأحق. ومنهم من يقول : نقلوا كسرة الواو إلى القاف ؛ وهذا ضعيف ؛ لأنك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها ، فيحتاج في هذه إلى حذف ضمة القاف ، وهذا عمل كثير.
ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل.
ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع : قول وبوع ، ويسوّى بين ذوات الواو والياء ، قالوا : وتخرّج على أصلها ، وما هو من الياء تقلب فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية.
والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر لأنّ الجملة بعده تفسره. والتقدير : وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا. ونظيره : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) ؛ أي بدا لهم بداء ورأي. وقيل : «لهم» هو القائم مقام الفاعل ؛ لأن الكلام لا يتم به ، وما هو مما تفسره الجملة بعده.
ولا يجوز أن يكون قوله : لا تفسدوا قائما مقام الفاعل ؛ لأنّ الجملة لا تكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل.
ولهم في موضع نصب مفعول قيل.
(فِي الْأَرْضِ) : الهمزة في الأرض أصل ؛ وأصل الكلمة من الاتّساع ، ومنه قولهم : أرضت القرحة إذا اتّسعت. وقول من قال : سميت أرضا لأنّ الأقدام ترضّها ليس بشيء ؛ لأنّ الهمزة فيها أصل ، والرضّ ليس من هذا.
ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا ؛ لأنّ ذلك لا يفيد شيئا ، وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا.
(إِنَّما نَحْنُ) : «ما» هاهنا كافّة لإنّ عن العمل ، لأنها هيّأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل اخرى ، وهي إنما عملت لاختصاصها بالاسم.
وتفيد «إنما» حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر ، كقوله : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) ؛ وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره ، كقولك : إنما زيد كريم ؛ أي ليس فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ؛ لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر ؛ فأثبت لنفسه صفة البشر ، ونفى عنه ما عداها.
(نَحْنُ) : هو اسم مضمر منفصل مبنيّ على الضم. وإنما بنيت الضمائر ؛ لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها ؛ فهي كالحروف في افتقارها إلى الأسماء ، وحرّك آخرها لئلا