يجتمع ساكنان ؛ وضمّت النون ؛ لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم ، فأشبهت التاء في قمت. وقيل ضمّت لأنّ موضعها رفع ؛ وقيل النون تشبه الواو ، فحركت بما يجانس الواو.
ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ويستعمله المتكلم الواحد العظيم. وهو في موضع رفع بالابتداء. و (مُصْلِحُونَ) خبره.
١٢ ـ (أَلا) : هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب.
وقيل معناه : حقّا ، وجوّز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقّا ، وهو في غاية البعد.
(هُمُ الْمُفْسِدُونَ) : هم مبتدأ ، والمفسدون خبره ، والجملة خبر إن.
ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيدا لاسم إن.
ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ؛ لأنّ الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر.
١٣ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) : القائم مقام المفعول هو القول ، ويفسّره آمنوا ، لأن الأمر والنهي قول.
(كَما آمَنَ النَّاسُ) : الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ؛ أي إيمانا مثل إيمان الناس ؛ ومثله : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ).
(السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ) : في هاتين الهمزتين أربعة أوجه :
أحدها ـ تحقيقهما ، وهو الأصل.
والثاني ـ تحقيق الأولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالي الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا لانضمام الأولى.
والثالث ـ تليين الأولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية.
والرابع ـ كذلك ، إلا أنّ الثانية واو.
ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ؛ لأنّ ذلك تقريب لها من الألف ، والألف لا يقع بعد الضمة والكسرة. وأجازه قوم.
١٤ ـ (لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) : أصله لقيوا ، فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحرّكت القاف بالضم تبعا للواو.
وقيل : نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت. وقرأ ابن السميفع : لاقوا بألف وفتح القاف وضمّ الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ).
(خَلَوْا إِلى) : يقرأ بتحقيق الهمزة ، وهو الأصل.
ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وحذف الهمزة ، فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة.
وأصل خلوا خلووا ، فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة.
(إِنَّا مَعَكُمْ) : الأصل : إنّنا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خفّفت ، كقوله تعالى (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ). ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ، أي كائنون معكم.
١٥ ـ (مُسْتَهْزِؤُنَ) : يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ؛ ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل قولك : يرمون ، ويضمّ الزاي.
وكذلك الخلاف في تليين همزة (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).
(يَعْمَهُونَ) : هو حال من الهاء والميم في يمدّهم.
وفي طغيانهم متعلق بيمدّهم أيضا ، وإن شئت بيعمهون. ولا يجوز أن تجعلها حالين من يمدّهم ؛ لأنّ العامل الواحد لا يعمل في حالين.
١٦ ـ (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) : الأصل اشتريوا ، فقلبت الياء ألفا ، ثم حذفت الألف لئلا يلتقي ساكنان الألف والواو.
فإن قلت : فالواو هنا متحركة؟
قيل : حركتها عارضة ، فلم يعتدّ بها ، وفتحة الراء دليل على الألف المحذوفة.
وقيل : سكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لئلا يلتقي ساكنان.
وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية في نحو قوله : لو استطعنا.
وقيل : ضمّت ، لأنّ الضمة هنا أخفّ من الكسرة ؛ لأنها من جنس الواو.
وقيل : حركت بحركة الياء المحذوفة.
وقيل : ضمّت لأنها ضمير فاعل ، فهي مثل التاء في قمت.
وقيل : هي للجمع ، فهي مثل نحن. وقد همزها قوم ؛ شبّهوها بالواو المضمومة ضمّا لازما ، نحو : أثؤب.
ومنهم من يفتحها إيثار للتخفيف.
ومنهم من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين.
ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين ، وهو ضعيف ، لأنّ قبلها فتحة ؛ والفتحة لا تدلّ عليها.
١٧ ـ (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ) : ابتداء وخبر.
والكاف يجوز أن يكون حرف جرّ فيتعلق بمحذوف.
ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل ، فلا يتعلّق بشيء.
(الَّذِي اسْتَوْقَدَ) : الذي هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع ، بدليل قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وما بعده.
وفي وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان :
أحدهما ـ هو جنس ، مثل : من ، وما ؛ فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع.
والثاني ـ أنه أراد الذين ، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) ، ثم قال : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقرّ بمعنى قرّ ؛ وقيل : استوقد استدعى الإيقاد.
(فَلَمَّا أَضاءَتْ) : لما هاهنا اسم ، وهي ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضي ، وكان لها جواب. والعامل فيها جوابها ، مثل : إذا.
وأضاءت : متعدّ ، فيكون «ما» على هذا مفعولا به ؛ وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ؛ فعلى هذا يكون «ما» ظرفا.
وفي «ما» ثلاثة أوجه :
أحدها : هي بمعنى الذي.
والثاني : هي نكرة موصوفة ؛ أي مكانا حوله.
والثالث : هي زائدة.
(ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) : الباء هنا معدّية للفعل ، كتعدية الهمزة له. والتقدير : أذهب الله نورهم. ومثله في القرآن كثير.
وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال ؛ كقولك : ذهبت بزيد ، أي ذهبت ومعي زيد.
(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) : تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ؛ لأنّ المعنى صيّرهم ؛ وليس المراد به التّرك الذي هو الإهمال ؛