ويجوز أن يكون التقدير شيئا منه ، فلما قدّمه صار حالا. والهاء للحق.
(أَنْ يُمِلَّ هُوَ) : «هو» هنا توكيد ، والفاعل مضمر ، والجمهور على ضمّ الهاء ؛ لأنّها كلمة منفصلة عما قبلها ، فهي مبدوء بها.
وقرئ بإسكانها على أن يكون أجرى المنفصل مجرى المتصل بالواو أو الفاء أو اللام ؛ نحو ؛ وهو ، فهو ، لهو.
(بِالْعَدْلِ) : مثل الأولى.
(مِنْ رِجالِكُمْ) : يجوز أن يكون صلة لشهيدين. ويجوز أن يتعلّق باستشهدوا.
(فَإِنْ لَمْ يَكُونا) : الألف ضمير الشاهدين.
(فَرَجُلٌ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي فالمستشهد رجل وامرأتان.
وقيل : هو فاعل ؛ أي فليستشهد رجل.
وقيل : الخبر محذوف ، تقديره : رجل وامرأتان يشهدون.
ولو كان قد قرئ بالنصب لكان التقدير فاستشهدوا.
وقرئ في الشاذ : وامرأتان بهمزة ساكنة ، ووجهه أنه خفّف الهمزة ، فقربت من الألف ؛ والمقرّبة من الألف في حكمها ؛ ولهذا لا يبتدأ بها ؛ فلما صارت كالألف قلبها همزة ساكنة ، كما قالوا خأتم وعالم.
قال ابن جنى : ولا يجوز أن يكون سكّن الهمزة ؛ لأنّ المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة ؛ ولو قيل إنه سكن الهمزة لتوالي الحركات ، وتوالي الحركات يجتنب ، وإن كانت الحركة فتحة كما سكنوا باء ضربت لكان حسنا.
(مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) : هو في موضع رفع صفة لرجل وامرأتين ؛ تقديره : مرضيّون.
وقيل : هو صفة لشهيدين ، وهو ضعيف للفصل الواقع بينهما.
وقيل : هو بدل من «من رجالكم».
وأصل ترضون ترضوون ؛ لأنّ لام الرضا واو ؛ لقولك الرضوان.
(مِنَ الشُّهَداءِ) : يجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف ؛ أي ترضونه كائنا من الشهداء.
ويجوز أن يكون بدلا من «من».
(أَنْ تَضِلَ) : يقرأ بفتح الهمزة على أنها المصدرية الناصبة للفعل ، وهو مفعول له ، وتقديره : لأن تضلّ إحداهما.
(فَتُذَكِّرَ) ـ بالنصب : معطوف عليه.
فإن قلت : ليس الغرض من استشهاد المرأتين مع الرجل أن تضلّ أحداهما. فكيف يقدّر باللام؟
فالجواب ما قاله سيبويه : إنّ هذا كلام محمول على المعنى ، وعادة العرب أن تقدّم ما فيه السبب ، فيجعل في موضع المسبب ؛ لأنّه يصير إليه ؛ ومثله قولك : أعددت هذه الخشبة أن تميل الحائط فأدعمه بها ؛ ومعلوم أنك لم تقصد بإعداد الخشبة ميل الحائط ؛ وإنما المعنى لأدعم بها الحائط إذا مال.
فكذلك الآية ؛ تقديرها : لأنّ تذكّر إحداهما الأخرى إذا ضلّت أو لضلالها.
ولا يجوز أن يكون التقدير : مخافة أن تضلّ ؛ لأنّه عطف عليه فتذكر ؛ فيصير المعنى : مخافة أن تذكّر إحداهما الأخرى إذا ضلّت ، وهذا عكس المراد. ويقرأ فتذكر بالرفع على الاستئناف.
ويقرأ إن بكسر الهمزة على أنها شرط ، وفتحة اللام على هذا حركة بناء لالتقاء الساكنين ، فتذكر جواب الشرط ، ورفع الفعل لدخول الفاء الجواب.
ويقرأ بتشديد الكاف وتخفيفها ، يقال : ذكّرته وأذكرته. و (إِحْداهُما) الفاعل ، و (الْأُخْرى) المفعول.
ويصحّ في المعنى العكس ، إلا أنه يمتنع في الإعراب على ظاهر قول النحويين ؛ لأنّ الفاعل والمفعول إذا لم يظهر فيهما علامة الإعراب أوجبوا تقديم الفاعل في كل موضع يخاف فيه اللبس ؛ فعلى هذا إذا أمن اللبس جاز تقديم المفعول ؛ كقولك : كسر عيسى العصا ؛ وهذه الآية من هذا القبيل ؛ لأنّ النسيان والإذكار لا يتعيّن في واحدة منهما ؛ بل ذلك على الإبهام ؛ وقد علم بقوله : «فتذكر».
أنّ التي تذكّر هي الذاكرة ، والتي تذكر هي الناسية ، كما علم من لفظ كسر من يصحّ منه الكسر ؛ فعلى هذا يجوز أن يجعل إحداهما فاعلا ، والأخرى مفعولا ، وأن يعكس.
فإن قيل : لم لم يقل فتذكّرها الأخرى؟
قيل : فيه وجهان :
أحدهما ـ أنه أعاد الظاهر ليدلّ على الإبهام في الذكر والنسيان ، ولو أضمر لتعيّن عوده إلى المذكور.
والثاني ـ أنه وضع الظاهر موضع المضمر ، تقديره : فتذكّرها ، وهذا يدلّ على أنّ إحداهما الثانية مفعول مقدّم ، ولا يجوز أن يكون فاعلا في هذا الوجه ؛ لأنّ الضمير هو المظهر بعينه ، والمظهر الأول فاعل تضلّ ؛ فلو جعل الضمير لذلك المظهر لكانت الناسية هي المذكرة ؛ وذا محال.
والمفعول الثاني لتذكر محذوف تقديره : الشهادة ونحو ذلك ؛ وكذلك مفعول (يَأْبَ). وتقديره : ولا يأب الشهداء إقامة الشهادة وتحمّل الشهادة.
و (إِذا) : ظرف ليأب.
ويجوز أن يكون ظرفا للمفعول المحذوف.
و (أَنْ تَكْتُبُوهُ) : في موضع نصب بتسأموا ، وتسأموا يتعدّى بنفسه ، وقيل بحرف الجر.
و (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) : حالان من الهاء.
و (إِلى) : متعلّقة بتكتبوه. ويجوز أن تكون حالا من الهاء أيضا.
و (عِنْدَ اللهِ) : ظرف لأقسط.
واللام في قوله : (لِلشَّهادَةِ) ـ يتعلّق بأقوم ، وأفعل يعمل في الظروف وحروف الجر ، وصحّت الواو في «أقوم» كما صحّت في فعل التعجب ، وذلك لجموده وإجرائه مجرى الأسماء الجامدة.