لا يريد هاهنا أنّه قد يحلّ التلاع قليلا ؛ لأنّ ذلك يدفعه قوله : متى يسترفد القوم ارفد ، وهذا يدلّ على نفي البخل في كل حال ؛ ولأنّ تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة.
والثاني ـ أنّ ظلّام هنا للكثرة ؛ لأنّه مقابل للعباد وفي العباد كثرة ، وإذا قوبل بهم الظلم كان كثيرا.
والثالث ـ أنه إذا نفى الظّلم الكثير انتفى الظّلم القليل ضرورة ؛ لأنّ الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظّلم ؛ فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك.
وفيه وجه رابع ؛ وهو أن يكون على النسب ؛ أي لا ينسب إلى الظلم ؛ فيكون من مثل بزّار وعطّار.
١٨٣ ـ (الَّذِينَ قالُوا) : هو في موضع جرّ بدلا من قوله : (الَّذِينَ قالُوا).
ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى ، ورفعا على إضمار هم.
(أَلَّا نُؤْمِنَ) : يجوز أن يكون في موضع جرّ على تقدير : بأن لا نؤمن ؛ لأنّ معنى عهد وصّى.
ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير حذف الجرّ وإفضاء الفعل إليه.
ويجوز أن ينتصب بنفس عهد ؛ لأنّك تقول : عهدت إليه عهدا ، لا على أنه مصدر ؛ لأنّ معناه ألزمته. ويجوز أن تكتب أن مفصولة وموصولة ؛ ومنهم من يحذفها في الخط اكتفاء بالتشديد.
(حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ) : فيه حذف مضاف ؛ تقديره : بتقريب قربان ؛ أي يشرع لنا ذلك.
١٨٤ ـ (وَالزُّبُرِ) : يقرأ بغير باء ، اكتفاء بحرف العطف ، وبالباء على إعادة الجارّ.
(وَالزُّبُرِ) : جمع زبور ، مثل رسول ورسل.
(وَالْكِتابِ) : جنس.
١٨٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ) : مبتدأ ؛ وجاز ذلك وإن كان نكرة لما فيه من العموم ؛ و (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) : الخبر.
وأنّث على معنى كلّ ؛ لأنّ كل نفس نفوس ؛ ولو ذكر على لفظ كلّ جاز.
وإضافة ذائقة غير محضة ؛ لأنّها نكرة يحكى بها الحال.
وقرئ شاذا «ذائقة الموت» ـ بالتنوين والإعمال.
ويقرأ شاذا أيضا «ذائقة الموت» ـ على جعل الهاء ضمير كلّ على اللفظ ؛ وهو مبتدأ وخبر.
(وَإِنَّما) : «ما» هاهنا كافّة ؛ فلذلك نصب (أُجُورَكُمْ) بالفعل ، ولو كانت بمعنى الذي أو مصدرية لرفع أجوركم.
١٨٦ ـ (لَتُبْلَوُنَ) : الواو فيه ليست لام الكلمة ؛ بل واو الجمع ، حرّكت لالتقاء الساكنين ، وضمّة الواو دليل على المحذوف ، ولم تقلب الواو ألفا مع تحرّكها وانفتاح ما قبلها ، لأنّ ذلك عارض ؛ ولذلك لا يجوز همزها مع انضمامها ، ولو كانت لازمة لجاز ذلك.
١٨٧ ـ (لَتُبَيِّنُنَّهُ) ، (وَلا تَكْتُمُونَهُ) : يقرآن بالياء على الغيبة ؛ لأنّ الراجع إليه الضمير اسم ظاهر ، وكلّ ظاهر يكنى عنه بضمير الغيبة.
ويقرآن بالتاء على الخطاب ؛ تقديره : وقلنا لهم لتبيننه.
ولما كان أخذ الميثاق في معنى القسم جاء باللام والنون في الفعل ولم يأت بهما في يكتمون اكتفاء بالتوكيد في الفعل الأول ؛ لأنّ تكتمونه توكيد.
١٨٨ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) : يقرأ بالياء على الغيبة ، وكذلك (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) بالياء وضمّ الباء. وفاعل الأول الذين يفرحون ، وأمّا مفعولاه فمحذوفان اكتفاء بمفعولي تحسبنّهم ، لأنّ الفاعل فيهما واحد ، فالفعل الثاني تكرير للأول ؛ وحسن لمّا طال الكلام المتّصل بالأول ، والفاء زائدة إذ ليست للعطف ولا للجواب.
وقال بعضهم : بمفازة هو مفعول حسب الأول ، ومفعوله الثاني محذوف دلّ عليه مفعول حسب الثاني ؛ لأنّ التقدير : لا يحسبنّ الذين يفرحون أنفسهم بمفازة ؛ وهم في «فلا تحسبنّهم» هو أنفسهم ؛ أي فلا يحسبنّ أنفسهم ، وأغنى بمفازة الذي هو مفعول الأول عن ذكره ثانيا لحسب الثاني.
وهذا وجه ضعيف متعسّف ، عنه مندوحة بما ذكرنا في الوجه الأول.
ويقرأ بالتاء فيهما على الخطاب ، وبفتح الباء منهما ، والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والقول فيه أن الذين يفرحون هو المفعول الأول ، والثاني محذوف لدلالة مفعول حسب الثاني عليه.
وقيل : التقدير : لا تحسبنّ الذين يفرحون بمفازة ، وأغنى المفعول الثاني هنا عن ذكره لحسب الثاني.
وحسب الثاني مكرر ، أو بدل لما ذكرنا في القراءة بالياء فيهما ، لأنّ الفاعل فيهما واحد أيضا ، وهو النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
ويقرأ بالياء في الأول ، وبالتاء في الثاني ؛ ثم في التاء في الفعل الثاني وجهان :
أحدهما ـ الفتح على أنه خطاب لواحد.
والضمّ على أنه لجماعة ؛ وعلى هذا يكون مفعولا الفعل الأول محذوفين لدلالة مفعولي الثاني عليهما ، والفاء زائدة أيضا.
والفعل الثاني ليس ببدل ، ولا مكرّر ؛ لأنّ فاعله غير فاعل الأول.
والمفازة : مفعلة من الفوز.
و (مِنَ الْعَذابِ) : متعلّق بمحذوف ؛ لأنّه صفة للمفازة ؛ لأنّ المفازة مكان ، والمكان لا يعمل.
ويجوز أن تكون المفازة مصدرا فتتعلّق من به ، ويكون التقدير : فلا تحسبنّهم فائزين ، فالمصدر في موضع اسم الفاعل.
١٩١ ـ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) : في موضع جرّ نعتا «لأولى» ، أو في موضع نصب بإضمار أعني ، أو رفع على إضمار «هم».