والوجه الثاني ـ أن جواب الشرط قوله :
(فَواحِدَةً) ؛ لأنّ المعنى إن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا منهنّ واحدة ، ثم أعاد هذا المعنى في قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) لمّا طال الفصل بين الأول وجوابه. ذكر هذا الوجه أبو علي.
(أَلَّا تُقْسِطُوا) : الجمهور على ضمّ التاء ، وهو من أقسط إذا عدل.
وقرئ شاذا بفتحها ، وهو من قسط إذا جار ، وتكون لا زائدة.
(ما طابَ) : «ما» هنا بمعنى من ، ولها نظائر في القرآن ستمر بك إن شاء الله تعالى.
وقيل : «ما» تكون لصفات من يعقل ، وهي هنا كذلك ؛ لأنّ ما طاب يدلّ على الطيب منهن.
وقيل : هي نكرة موصوفة ؛ تقديره : فانكحوا جنسا طيّبا يطيب لكم ، أو عددا يطيب لكم.
وقيل : هي مصدرية ، والمصدر المقدّر بها وبالفعل مقدّر باسم الفاعل ؛ أي انكحوا الطيّب.
(مِنَ النِّساءِ) : حال من ضمير الفاعل في طاب.
(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) : نكرات لا تنصرف للعدل والوصف ، وهي بدل من ما.
وقيل : هي حال من النساء.
ويقرأ شاذا «وربع» ـ بغير ألف ؛ ووجهها أنه حذف الألف كما حذفت في خيم والأصل خيام ، وكما حذفت في قولهم : أم والله.
والواو في (وَثُلاثَ وَرُباعَ) ليست للعطف الموجب للجمع في زمن واحد ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان عيّا ؛ إذ من أرك الكلام أن تفصّل التسعة هذا التفصيل ، ولأنّ المعنى غير صحيح أيضا ؛ لأنّ مثنى ليس عبارة عن ثنتين فقط ، بل عن ثنتين ثنتين ، وثلاث عن ثلاث ثلاث ؛ وهذا المعنى يدلّ على أن المراد التخيير لا الجمع.
(فَواحِدَةً) ؛ أي فانكحوا واحدة.
ويقرأ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي فالمنكوحة واحدة. ويجوز أن يكون التقدير : فواحدة تكفي.
(أَوْ ما مَلَكَتْ) : أو للتخيير على بابها.
ويجوز أن تكون للإباحة.
و «ما» هنا بمنزلة ما في قوله : «ما طاب».
(أَلَّا تَعُولُوا) : أي إلى أن لا تعولوا ، وقد ذكرنا مثله في آية الدّين.
٤ ـ (نِحْلَةً) : مصدر ؛ لأنّ معنى آتوهنّ : انحلوهنّ.
وقيل : هو مصدر في موضع الحال ؛ فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الفاعلين ؛ أي ناحلين ؛ وأن يكون من الصدقات ؛ وأن يكون من النساء ؛ أي منحولات.
(نَفْساً) : تمييز ، والعامل فيه طبن. والمفرد هنا في موضع الجمع ؛ لأنّ المعنى مفهوم ، وحسّن ذلك أنّ نفسا هنا في معنى الجنس ؛ فصار كدرهما في قولك : عندي عشرون درهما.
(فَكُلُوهُ) : الهاء تعود على شيء ، والهاء في (مِنْهُ) تعود على المال ؛ لأنّ الصدقات مال.
(هَنِيئاً) : مصدر جاء على فعيل ، وهو نعت لمصدر محذوف ؛ أي أكلا هنيئا.
وقيل : هو مصدر في موضع الحال من الهاء ؛ والتقدير : مهنّأ أو طيّبا.
و (مَرِيئاً) : مثله ؛ والمريء : فعيل بمعنى مفعول ؛ لأنّك تقول : أمرأني الشيء إذا لم تستعمله مع هناني ؛ فإن قلت : هناني ومراني لم تأت بالهمزة في مراني لتكون تابعة لهناني.
٥ ـ (أَمْوالَكُمُ الَّتِي) : الجمهور على إفراد التي ، لأنّ الواحد من الأموال مذكّر ؛ فلو قال اللواتي لكان جمعا ، كما أن الأموال جمع ؛ والصفة إذا جمعت من أجل أنّ الموصوف جمع كان واحدها كواحد الموصوف في التذكير والتأنيث.
وقرئ في الشاذ اللواتي ـ جمعا اعتبارا بلفظ الأموال.
(جَعَلَ اللهُ) ؛ أي صيّرها ؛ فهو متعدّ إلى مفعولين ، والأول محذوف وهو العائد.
ويجوز أن يكون بمعنى خلق ؛ فيكون قياما حالا.
(قِياماً) : يقرأ بالياء والألف ، وهو مصدر قام ، والياء بدل من الواو ، وأبدلت منها لما أعلّت في الفعل ، وكانت قبلها كسرة. والتقدير : التي جعل الله لكم سبب قيام أبدانكم ؛ أي بقائها. ويقرأ : قيما ـ بغير ألف ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها ـ أنه مصدر مثل الحول والعوض ، وكان القياس أن تثبت الواو لتحضنها بتوسطها ، كما صحّت في الحول والعوض ، ولكن أبدلوها ياء حملا على «قيام» وعلى اعتلالها في الفعل.
والثاني ـ أنها جمع قيمة ، كديمة وديم ، والمعنى : أنّ الأموال كالقيم للنفوس ؛ إذ كان بقاؤها بها.
وقال أبو علي : هذا لا يصحّ ؛ لأنّه قد قرئ في قوله : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ). وفي قوله : (الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً) ؛ ولا يصحّ معنى القيمة فيهما.
والوجه الثالث ـ أن يكون الأصل قياما ؛ فحذفت الألف كما حذفت في خيم.
ويقرأ «قواما» ـ بكسر القاف وبواو وألف ، وفيه وجهان : أحدهما : هو مصدر قاومت قواما مثل لاوذت لواذا ، فصحت في المصدر لما صحّت في الفعل.
والثاني ـ أنها اسم لما يقوم به الأمر ، وليس بمصدر.
ويقرأ كذلك إلا أنه بغير ألف ، وهو مصدر صحّت عينه ، وجاءت على الأصل كالعوض.
ويقرأ بفتح القاف وواو وألف. وفيه وجهان :
أحدهما ـ هو اسم للمصدر ، مثل السّلام والكلام والدّوام.