تساهلوا في التفسير عن قوم لا يوثّقونهم في الحديث ، ثمّ ذكر ليث بن أبي سليم ، وجويبر بن سعيد ، والضّحّاك ، ومحمد بن السّائب ـ يعني : الكلبيّ ـ وقال : هؤلاء لا يحمد حديثهم ، ويكتب التفسير عنهم.
قال الشيخ ـ أي : البيهقي ـ : وإنّما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم ؛ لأنّ ما فسّروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب ، وإنّما عملهم في ذلك الجمع والتّقريب فقط. اه.
قلت : هذا يسلّم له فيما نقل عن أمثال هؤلاء من تفسير ألفاظ الغريب في القرآن ، لكن نقل عنهم ومن طريقهم أحاديث كثيرة مرفوعة يفسّرون فيها الآيات الكريمة ، وهم متّهمون أو ضعفاء جدا ، فهذا لا يسلّم لهم ؛ خاصّة للكلبيّ الذي أكثر الرواية عن أبي صالح عن ابن عباس ، والأولى عدم ذكره في كتب التفسير إلّا لتبيينه والتحذير منه.
ونذكر هاهنا بعض الأمثلة عن ذلك.
ـ في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [الآية ١٩٠] ، قال : الآية نزلت في صلح الحديبية ، وهذا منقول عن ابن عباس من طريق الكلبيّ كما بيّناه في موضعه ، وهذه الآية من أوّل الآيات التي نزلت في القتال بالمدينة ، فيكون أوّل الإذن بالقتال في الحديبية ، وقد قوتل قبلها كثيرا؟!
ـ وفي سورة طه عند قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) ذكر أنّ الآية وما قبلها نزلت لمّا استسلف رسول الله من يهوديّ ، وأبى أن يعطيه إلّا برهن ، وهذا مرويّ عن أبي رافع مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من طريق موسى بن عبيدة الرّبذي ، وهو منكر الحديث ، كما بيّناه.
ـ وفي سورة البقرة عند قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الآية ٢٧٤] ذكر أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ، كان عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها ، فتصدّق بدرهم سرّا ، ودرهم علانية ، ودرهم ليلا ، ودرهم نهارا.
وقد ورد هذا في حديث ضعيف جدا ، وقال ابن تيمية : موضوع ، كما بيّناه.