المبحث الثاني
الأخذ عن ورقة بن نوفل
منابع الوحى إلى محمد «صلىاللهعليهوسلم» فى الرؤية الاستشراقية :
دأب أهل الكتاب قديما ، وخلفهم المستشرقون حديثا على الطعن في الوحى إلى نبينا «صلىاللهعليهوسلم» ، باتهامه : أنه تعلم من غيره ، ثم من هذا الذى جمعه من هنا وهناك لفق الدين الذى جاء به ، فزعمت النصارى أنه تعلم من ورقة بن نوفل ، والراهب بحيرى ، وزعمت اليهود أنه تتلمذ لعبد الله بن سلام ، وأنه قرأ التوراة والإنجيل ونقل عنهما ، وردد كثير من المستشرقين ـ محدثين ومعاصرين ـ هذه الافتراءات. وسوف نرى فى الصفات التالية نماذج من هذه المزاعم ثم نأتى عليها مفندين ، لنظهر ما فيها من تهافت وما تنطوى عليه من بطلان.
الأخذ عن ورقة بن نوفل :
ذهب المستشرق «إميل درمنغام» إلى أن محمدا التقى «بورقة بن نوفل» وأخذ عنه أصول دينه ، وحاذاه المستشرق المعاصر «مونتجمرى واط» حذو النعل بالنعل ، وإن حاول أن يجعل كلامه محبوكا بقدر الإمكان.
كلام «واط» عن الأثر العلمى لورقة مبنى على شكه في أمية الرسول «صلىاللهعليهوسلم» وقد كان يكفينا ذلك في إبطال شكوكه ، لأنه بانهيار فروضه وشكوكه حول أمية محمد ، ينهار زعمه الأخذ عن ورقة ، غير أننا آثرنا تناول هذه الفرية كما عرضها ، لأن تناوله لها كان فجا ، قبيحا في افتراءاته ، ففي تناوله لموضوع الأمية حاول التدثر بالمنهجية تارة وبالدقة أخرى ، غير أنه هنا لم يراع لا دين ولا مشاعر للمسلمين.
يتحدث «واط» عن المنابع الرئيسية للوحى إلى نبينا «صلىاللهعليهوسلم» فيؤكد على ارتباط محمد ، من خلال زوجته خديجة بورقة ، ثم ذهب يستنتج ، وليت استنتاجه خضع لأبسط القواعد المنهجية.
يقول صاحب «محمد في مكة» : كانت خديجة «ابنة عم رجل يدعى ورقة بن نوفل بن أسد ، وهو رجل متدين اعتنق أخيرا المسيحية. ولا شك أن خديجة قد وقعت تحت تأثيره ، ويمكن أن يكون محمد قد أخذ شيئا من حماسه وآرائه» (١).
أما عن تنصر ورقة فأمر ثابت في كتبنا الصحاح ، جاء في أسد الغابة : «خرج زيد
__________________
١ ـ واط : محمد في مكة ص ٧٤ ـ ٧٥.