المبحث الثالث
الوحى النفسى
كما انتهى بعض المستشرقين ، وزعيمهم في الوقت المعاصر «واط» إلى التشكيك في أمية نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم إذ لا بد له كتاجر ناجح أن يكون قد تعلم شيئا من الفنون والعلوم التى كانت منتشرة في مكة وما حولها. نقول : انتهوا كذلك إلى أنه لا شك قد تتلمذ على العالم الذى تنصر أخيرا ورقة بن نوفل وعقد معه لقاءات كثيرة ومتعددة. وقد كشفنا عن زيف هذه الادعاءات بالوثائق المعتبرة. فضلا عن الواقع التاريخى الذى يكذب ما افتروه وروجوا له.
وكما قلنا : لا نطالب هؤلاء أن يكونوا مسلمين أو كالباحث المسلم ، وإنما نطالبهم بالتعامل مع النصوص الشاهدة بحيدة وموضوعية ، أما أن يدع المستشرق معتقده ـ يهودية أو نصرانية أو علمانية مادية ملحدة ـ ولغته والرواسب السياسية الحاقدة ، تتحكم في بحثه وتوجهه ، فهذا كفيل باخراجه من دائرة الأبحاث العلمية المعتبرة والمستشرقون أو معظمهم يثيرون الشبهة ، ولعدم ثقتهم أنها تزعزع إيمان المسلم يبحثون في مخيلاتهم عن شبهة أخرى وهكذا ... والشبهة التى نعرض لها الآن ما يسمونه : بالوحى النفسى :
ويعنون به : أن القرآن فيض من خاطر محمد صلىاللهعليهوسلم أو انطباع لإلهامه ، أى أنه ناتج عن تأملاته الشخصية ، وخواطره الفكرية ، وسبحاته الروحية.
ولغ «درمنغام» فى هذه الشبهة ، فذهب يصور الحالة النفسية لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم أثناء تحنثه في غار حراء ، والانطباعات النفسية التى تركتها مشاهداته وتأملاته وسبحاته.
يقول : وهذه النجوم في ليالى صيف الصحراء كثيرة شديدة البريق حتى ليحسب الإنسان أنه يسمع بصيص ضوئها. وكأنه نفح نار موقدة :
«حقا إن في السماء لشارات للمدركين ، وفي العالم غيب ـ بل العالم غيب كله ـ لكن ألا يكفى أن يفتح الانسان عينيه ليرى ، وأن يرهف أذنه ليسمع؟ ليرى الحق ، وليسمع الكلم الخالد؟ لكن للناس عيونا لا ترى ، وآذانا لا تسمع ، أما هو ـ أى محمد ـ فيحسب أنه يسمع ويرى. وهل تحتاج لكى تسمع ما وراء السماء من أصوات إلا إلى قلب خالص ، ونفس مخلصة. وفؤاد ملىء إيمانا» (١).
__________________
١ ـ الشيخ رشيد رضا : الوحى المحمدى ص ٨٠ القاهرة ١٣٨٠ ه ـ ١٩٦٠ م.