المبحث الرابع
رد القرآن إلى أصول يهودية ونصرانية
تحدثنا فيما سبق عن زعم المستشرقين أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» كان قارئا كاتبا ، وكشفنا زيف هذا الزعم ، ودللنا على أن محمدا لم يقرأ كتابا ولم يخطه بيمينه.
كما كشفنا عن ضلال الادعاء بلقاءات عديدة لمحمد مع ورقة بن نوفل قبل بدء الوحى وبعده ، واتضح بجلاء أنه لقاء واحد بعد بدء الوحى ، وكان بمبادرة من أم المؤمنين خديجة ، وكشفنا عن بعض الروايات التى تقول إن خديجة وحدها هى التى ذهبت إلى ابن عمها ورقة تستطلع رأيه فيما رأى وسمع رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» في غار حراء.
والآن نتناول زعما آخر ، وجهلا صراحا ، يكشف عن إصرار كثير من المستشرقين على أن محمدا كان قارئا كاتبا ؛ بدلالة كثرة مواطن التشابه بين القرآن وكتب العهدين : القديم والجديد.
فما هى إذن أوجه الشبه ، أو ما هى مواطن الشبه بين القرآن والتوراة والإنجيل؟ وهل في التشابه دلالة على أخذ القرآن منهما؟ هل بالضرورة ما وجد التشابه أن يكون اللاحق أخذ من السابق؟.
وإذا وجد التشابه ألا يمكن رده إلى علة أخرى غير الاطلاع والنقل كوحدة المصدر مثلا؟
وإذا كان التشابه يقتضى أخذ اللاحق عن السابق كقاعدة مضطردة عند المستشرقين من اليهود والنصارى ، فما تعليلهم للتشابه لدرجة التطابق بين الإنجيل وكتب البراهمة والبوذية وغيرها من الديانات الوضعية؟
يجمع الكثير منهم على أن الإنجيل كتاب إلهى ، فهل يصح ـ بمقتضى قاعدتهم ـ أن يأخذ الإلهى المعصوم عن البشرى الناقص؟
وإذا كان محمد «صلىاللهعليهوسلم» قد قرأ توراتهم وإنجيلهم وأخذ منها القصص والتشريعات والأخلاقيات .. و.. فكيف يعللون وجود قصص في القرآن ليس في عهديهما؟ وهذا القصص أحداث وقعت قديما بل موغلة في القدم. كيف عرف محمد هذه الأخبار التى وقعت في الأزمان السحيقة ، وهى غير موجودة عندهم؟
قد يقول قائل منهم : مخيلة محمد المبدعة وخياله الشعرى الرائع. وعندئذ لا يكون لنا كلام مع السفهاء.