فهى فضلا عن مجافاتها لعصمة النبوة وحفظ الذكر من العبث والتحريف ، فإن سياق السورة ذاتها ينفيها نفيا قاطعا ، إذ أنه يتصدى لتوهين عقيدة المشركين في الآلهة وأساطيرهم حولها ، فلا مجال لإدخال هاتين العبارتين في سياق السورة بحال. حتى على قول من قال : إن الشيطان ألقى بهما في أسماع المشركين دون المسلمين فهؤلاء المشركون كانوا عربا يتقنون لغتهم. وحين يسمعون هاتين العبارتين المقتحمتين ، ويسمعون بعدها : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى؟ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ...) ويسمعون بعد ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ويسمعون قبله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) حين يسمعون هذا السياق كله فإنهم لا يسجدون مع الرسول صلىاللهعليهوسلم لأن الكلام لا يستقيم ، والثناء على آلهتهم وتقرير أن لها شفاعة ترتجى لا يستقيم. وهم لم يكونوا أغبياء كالأغبياء الذين افتروا هذا الروايات التى تلقفها منهم المستشرقون مغرضين أو جاهلين (١) ثانيا : ما ذهب إليه الإمام الفخر الرازى نقلا عن الإمام البيهقى من أن : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، كما أن رواتها مطعون فيهم ، فضلا عما جاء في صحيح البخارى : أن النبى صلىاللهعليهوسلم قرأ سورة النجم وسجد وسجد المسلمون والمشركون ، والإنس والجن وليس فيه حديث الغرانيق وروى هذا الحديث من طرق كثيرة ، وليس فيها البتة حديث الغرانيق (٢)
ثالثا : ما ذهب إليه الشيخ محمد عبده : أن العرب لم يرد في نظمهم ولا في خطبهم وصف لآلهتهم بأنها الغرانيق ، ولم يكن مثل ذلك جاريا على ألسنتهم. فالذى ورد أن الغرنوق والغرنيق اسم لطائر مائى أسود أو أبيض وللشاب الأبيض الجميل. وكل ذلك لا يلائم معنى الآلهة أو وصفها عند العرب (٣)
رابعا : أن النبى صلىاللهعليهوسلم إذا أرسل الله ـ جل وعلا ـ إليه الملك بوحيه ، فإنه يخلق له العلم به حتى يتحقق أنه رسول من عنده ، ولو لا ذلك لما صحت الرسالة ، ولا تبينت النبوة ، فاذا خلق الله له العلم به تميز عنده من غيره ، وثبت اليقين ، واستقام سبيل
__________________
١ ـ سيد قطب : في ظلال القرآن ج ٦ ص ٣٤٢٠ الطبعة العاشرة. دار الشروق.
٢ ـ الإمام الرازى : التفسير الكبير ج ٦ ص ١٩٣.
٣ ـ د. محمود حمدى زقزوق : الإسلام في الفكر الغربى ص ٤٤.