ولكنهم لم يتخذوك خليلا (صغرى ـ رفع فيها التالى) ..
لم يفتنوك ولم تفتر علينا (نتيجة ـ رفع فيها المقدم)
ولكن قد يقول قائل : إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه «صلىاللهعليهوسلم» جملة (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) فلم إذن سجد المشركون؟
يقول الإمام الألوسي : «ليس لأحد أن يقول : إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهرة مدح آلهتهم ، وإلا لما سجدوا ، لأننا نقول : يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أحبائهم ، وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما في قوله تعالى : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤)) [النجم : ٥٠ ـ ٥٤] إلى آخر الآيات ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم .. وقد ظنوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم لو لم يكن عن إيمان كاف في دفع ما توهموه. ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه «صلىاللهعليهوسلم» ...» فقد ذكر السيوطى أمثلة في أول «الإتقان» من حديث ابن عباس فلما سمع عتبة بن ربيعة قوله تعالى في سورة السجدة : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أمسك على فم رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» وناشده الرحم ، واعتذر لقومه حين ظنوا أنه صبأ وقال : (كيف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم العذاب)» (١).
هذه هى قصة الغرانيق ، وضح أنها مرفوضة عقلا ، فضلا عن تهافتها من ناحية النقل ، ولا شك أن كلام «واط» ـ وبعض المستشرقين ـ حولها يظهر تحيزه في تطبيق نزعته الشكية ، فبمجرد أن يجد رأيا في غير صف الرسول وإن كان تافها ، أو كاذبا ، ينقلب شكه إلى يقين وتأييد ، ولا شك أن هذا يعد أسوأ نموذج للانحراف العلمى الموضوعى من جانب هذه الفئة من المستشرقين التى تتمسح في العلمية والمنهجية.
ما ذا أخذ محمد ـ «صلىاللهعليهوسلم» من التوراة والإنجيل؟!
ذهب كثير من المستشرقين أن محمد نقل عن التوراة قصص الأنبياء ، وتوحيد الألوهية ، وعرف الملائكة من خلالها ، وعقيدة القضاء والقدر ... إلى آخر هذه المزاعم.
__________________
١ ـ الألوسي : ج ٢٧ ص ٥٠ ـ ٥٩ دار إحياء التراث العربى بيروت ، وأنظر : الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى : نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ص ٣٨. المكتب الإسلامى بيروت ١٤٠٩ ه ـ ١٩٨٩ م.