الخاتمة
موضوع الوحى من أوسع الموضوعات وأدقها التى تناولها المفكرون الإسلاميون بالبحث والدرس والتحليل وإقامة الأدلة العقلية على إمكان الوحى وصحته وسلامته ، كذلك تناوله فريق كبير من المستشرقين في دراساتهم وأبحاثهم ، ولكن اتضح لنا ـ من خلال هذا البحث ـ الهوة الهائلة التى تفصل بين الفكرين : الفكر الإسلامى ، والفكر الغربى الاستشراقى ففي حين يقوم الأول على القرآن والسنة ، يقوم الثانى على العقل الأرسطى اليونانى. الأول يقوم على ميتافيزيقا القرآن ـ إذا جاز التعبير ـ والثانى يقوم على الميتافيزيقا الأرسطية وهى مخالفة كل المخالفة لإلهيات المسلمين.
الوحى كما جاء في القرآن الكريم وأخبرت به السنة تعليم خاص وهو المصدر الرئيسى لعلم الأنبياء ، وهو بعد ذلك تجربة شخصية ارتبطت أولا وأخيرا بمن تعرض لها ، وهو تجربة فرضت من الله ـ جل وعلا ـ ولم تأت قط بمشيئة إنسان.
إن أعظم دليل على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وهو لا يزال قائما ، موجودا بين أيدينا هو القرآن الكريم ، ذلك الذى أعجز أساطير البيان من العرب مع أنه منظوم من نفس الحروف والكلمات التى ينظمون بها كلامهم.
ولما أعجز القرآن أصحاب اللسان العرب ، فهو لغيرهم أعجز.
لقد ثبت عند جمهور العلماء ـ وعند اليهود والنصارى ـ تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات ـ فضلا عن الخبر ـ وثبت بدلالة الإخبار والحس والمشاهدة : ما أجرى الله جل وعلا على يدى محمد صلىاللهعليهوسلم من معجزات حسية ، مادية ، تماما كالأحداث التى وقعت للأنبياء السابقين.
فإن ردوا التواتر قلنا : إن المعجزة لا تدل على الصدق ، فحينئذ تبطل نبوة سائر الأنبياء ، وإن اعترفوا بصحة التواتر ، واعترفوا بدلالة المعجزة على صدق من أجريت على يديه ـ ثم إنهما حاصلان في حق محمد ـ وجب الاعتراف قطعا بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ضرورة عند الاستواء في الدليل لا بد من الاستواء في حصول المدلول (١)
وهم ـ أى أهل الكتاب ـ محجوجون بما ثبت عندهم من الأخبار عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم. كما بطل زعم العيسوية من اليهود : أن إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم كان إلى العرب خاصة ، لان مقتضى تسليمهم برسالته إلى العرب أن يصدقوه في كل ما جاء
__________________
١ ـ الرازى : مناظرة في الرد على النصارى ص ٢٢ مصدر سابق.