اهداف الاستشراق
تتداخل أهداف الاستشراق ، بحيث لا يستطيع الباحث ـ بسهولة ـ وضع خطوط أو فواصل بينها ، فالهدف الدينى والهدف العلمى ، والهدف السياسى أو الاستعمارى ، ... هذه الأهداف جميعها حاضرة في التخطيط الاستشراقى بحيث تؤدى جميعها في نهاية المطاف إلى تحقيق هدف وحيد هو ـ فيما نرى ـ قهر الإسلام وأهله وإعلاء المسيحية وسيادتها.
يقول المستشرق الإنجليزى ه. أ. جب محددا الهدف النهائى للاستشراق «كانت النتيجة الخالصة لهذه الحركة التعليمية أنها حررت ـ بقدر ما كان لها من تأثير ـ نزعة الشعوب الإسلامية من سلطان الدين دون أن تحس الشعوب بذلك غالبا ، وهذا وحده تقريبا هو جوهر كل نزعة غربية فعّالة في العالم الإسلامي» (١).
الهدف النهائى للاستشراق إبعاد سلطان الدين عن نفوس المسلمين بأى وسيلة ، عن طريق التعليم ـ أو غيره ـ فالتعليم «أكبر العوامل الصحيحة التى تعمل على الاستغراب». رغم هذا التداخل فإننا سنحاول تناول أهداف الاستشراق ، وسنقتصر هنا على ثلاثة منها :
أولا : الهدف الدينى :
الهدف الدينى للاستشراق من الأهداف الواضحة فقد صاحب الاستشراق طوال مراحل تطوره يقول الدكتور إدوارد سعيد : «إن الاستشراق السامى والاستشراق الإسلامى لم يكونا قد حررا نفسيهما ، إلا إلى درجة ضئيلة جدا ، من إسار الخلفيّة الدينية التى اشتق منها أصلا» (٢).
صاحب كتاب «الاستشراق» يشير إلى بدايات الاستشراق الكنسية ، كالذى جاء في الخطاب الموجه إلى مؤسس كرسى اللغة العربية في جامعة كمبردج والمؤرخ فى ٩ مارس من سنة ١٦٣٦ م : «ونحن ندرك أننا لا نهدف من هذا العمل إلى الاقتراب من الأدب الجيد بإلقاء الضوء على المعرفة وهى ما تزال بعد محتبسة في نطاق هذه اللغة التى نسعى لتعلمها ، ولكننا نهدف أيضا إلى تقديم خدمة نافعة إلى الملك والدولة عن طريق تجارتنا مع الأقطار الشرقية ، وإلى تمجيد الله بتوسيع حدود الكنيسة والدعوة إلى الديانة النصرانية بين هؤلاء الذين يعيشون الآن في الظلمات» (٣).
__________________
١ ـ جب : وجهة الإسلام ص ٢١٧ ، ٢١٤ ترجمة د. محمد عبد الهادى أبو ريدة المطبعة الإسلامية بمصر. الطبعة الأولى.
٢ ـ إدوارد سعيد : الاستشراق ص ٢٦٥ ترجمة كمال ابو ديب مؤسسة الأبحاث العلمية.
٣ ـ د. عبد اللطيف الطيباوى : المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ص (٢١ ، ٢٢) ترجمة د. قاسم السامرائى. مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م.