كلمة في المنهج
إن المنهج الذى يتبعه جل المستشرقين في دراساتهم للإسلام عامة ، والوحى القرآنى خاصة يقوم على مسلمة ـ بالنسبة لهم ـ تلك هى : أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» ليس نبيا يوحى إليه ، ثم يسيرون في هذا الاتجاه للتدليل على صحته ، ولا شك أن هذا حكم أو نتيجة وضعوها وحددوها قبل وضع المقدمات ، ومع هذا يحاولون إلباس مناهجهم ـ المدعاة ـ ثياب العلمية والمنهجية والموضوعية.
فالمستشرق الألمانى «رودى بارت» يقول : «... فنحن معشر المستشرقين ، عند ما نقوم اليوم بدراسات في العلوم العربية والعلوم الإسلامية لا نقوم بها قط لكى نبرهن على ضعة العالم العربى الإسلامى ، بل على العكس ، نحن نبرهن على تقديرنا الخاص للعالم الذى يمثله الإسلام ومظاهره المختلفة والذى عبر عنه الأدب العربى كتابة. ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ كل شىء ترويه المصادر على عواهنه دون أن نعمل فيه النظر ، بل نقيم وزنا فحسب لما يثبت أمام النقد التاريخى أو يبدو وكأنه يثبت أمامه ، ونحن في هذا نطبق على الإسلام وتاريخه ، وعلى المؤلفات العربية التى نشتغل بها المعيار النقدى نفسه الذى نطبقه على تاريخ الفكر عندنا وعلى المصادر المدونة لعالمنا نحن» (١).
ما ذهب إليه «بارت» لا غبار عليه ، إلا ما يبدو أنه خلط بين العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامى فهل يصح وضع العقيدة بجوانبها الغيبية على محك البحث والنظر العقلى؟ والعقل البشرى ناقص ، وإذا أجاب بارت : بنعم. فهل يقبل أن نضع العقيدة النصرانية على نفس المحك؟ أم أن عقيدتهم من الغيبيات فلا تعرض على العقل ومن ثم يؤمن بها وهو مغمض العينين؟!
على كل حال «القوم يدرسون العلوم الإسلامية العربية ، ويضعون نظريات ويكونون آراء في أثناء ما يقومون به من دراسات ، ويهتمون بتقديم أدلة وأسانيد لهذه الآراء والنظريات ، يستمدونها من المراجع الإسلامية نفسها ، وهذا العمل في ظاهره عمل علمى سليم. ولكن عند الفحص الدقيق أثبت أن كثيرا منه مصنوع ، وكثيرا ما يكون الدافع إليه الرغبة في التجريح ، وتوهين العقيدة الدينية والشريعة الإسلامية» (٢).
يقول ليوبولد فايس (محمد أسد) : «... أما تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة ، وخاصة طبيعية تقوم على المؤثرات التى خلفتها الحروب الصليبية ، بكل ما لها
__________________
١ ـ بارت : الدراسات العربية ... ص ١٠ مصدر سابق.
٢ ـ إبراهيم اللبان : المستشرقون والإسلام ص ٣٢ سنة ١٩٧٠ م.