هذا مع الأحكام الجزافية بتلفيق الأسانيد ووضعها لتأييد الآراء المسبقة؟
أما رأى الدكتور بدوى ، فله اعتباره لأنه صادر عن أستاذ ، باحث ، منهجى ، له باع طويل في الدراسات الإسلامية والاستشراقية.
وإلى سوء النية والقصد لدى بعض المستشرقين يشير «واط» فيقول «... وإذا حدث أن كانت بعض آراء العلماء الغربيين غير معقولة عند المسلمين ، فذلك لأن العلماء الغربيين لم يكونوا دائما مخلصين لمبادئهم العلمية ، وأن آراءهم يجب إعادة النظر فيها من وجهة النظر التاريخية الدقيقة (١).
ومع أن هذه شهادة من «واط» تستحق التقدير ، إلا أنه لم يستطع «الفكاك من نقاط الشد الأخرى التى تمسك بتلابيب العقل الغربى : النزوع العلمانى والمسلمات المادية والرؤية الوصفية ..» (٢).
المستشرق الموضوعى هو الذى يبدأ في عرض موضوع بحثه من وجهة نظر أهله وأتباعه كما يعتقدونه. فمثلا : القرآن بالنسبة للمسلم هو كلام الله ـ جل وعلا ـ الأزلى ، غير المخلوق ، أوحاه الله تعالى عن طريق جبريل الأمين إلى نبيه محمد «صلىاللهعليهوسلم» ومحمد ليس نبيا ورسولا فحسب وإنما خاتم الأنبياء. هكذا دون ما حذف أو إضافة ، ثم يعرض لرأيه إما بالموافقة أو بالمعارضة. المهم : يضع الحقيقة ـ من وجهة نظر المسلمين ـ مقترنة برأيه هو ، أمام القارئ فلا يمارس عليه ضغطا بتشويه ثم بوضع رأيه بمقتضى هذا التشويه.
«غير أن هذا المنهج المنطقى والطبيعى في العرض قلما يتبع ـ مع الأسف الشديد ـ إذ أن الحقائق كثيرا ما تحرّف فيتعرض القارئ نتيجة لذلك ـ إذا لم يكن على علم واسع ـ إلى شىء من الإيحاء برأى معين أو أنه يتعرض في الأقل إلى اختلاط في الأمور تجعله عاجزا عن التمييز بين الأصل المتوارث لدى جماعة المسلمين وبين رأى الكاتب. وهكذا نجد كثيرا من المستشرقين الذين يحمّلون غيرهم أعباء معارفهم الخاصة ، يهملون ملاحظة أية مبادئ أولية يفترضها المنهج العلمى في معالجة المسائل التاريخية ، فهم يؤكدون مثلا : أن القرآن من إنشاء محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، ثم يذهبون مذهبا بعيدا في تأسيس الأحكام التاريخية والعقيدية والأدبية وغيرها على هذا التأكيد ، وسرعان ما ترتفع هذه التأكيدات بمجرد التكرار إلى مرتبة الحقائق الثابتة (٣)».
__________________
١ ـ واط : السابق ص ٦.
٢ ـ د. عماد الدين خليل : السابق ص ٦٨.
٣ ـ د. طيباوى : المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ص ٢٩.