لا شك أن هناك فرقا أساسيا بين العلوم المادية وبين العلوم الإنسانية ، فإن «كلا من الملحد والروحانى يتفقان على تحليل قطعة الصوديوم كلورايد (الملح) ولكن شتان بين رأييهما حول الذات الإنسانية» (١) ومن ثم تتباين مناهج هذه العلوم.
غير أن جل المستشرقين وقع في هذا الخطأ باعتبار أن مناهجهم (٢) تقوم على دراسة الظاهرة الفكرية كظاهرة مادية خالصة ، وكتاريخ خالص مكون من شخصيات وأنظمة اجتماعية وحوادث تاريخية محضة ، يمكن فهمها بتحليلها إلى عوامل مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية تحدد نشأتها وطبيعتها ، وهكذا تفقد الظاهرة طابعها المثالى ، وتنقطع عن أصلها في الوحى وتصبح ظاهرة مادية خالصة.
وسبب هذا الخطأ أن جل المستشرقين يهود ونصارى وهم ينكرون الوحى إلى نبينا محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، فاليهود ينكرون الوحى إلى عيسى ومحمد ـ عليهماالسلام ـ بينما النصارى ينكرونه إلى محمد ، وهذا في حد ذاته يعد حاجزا نفسيا.
أمام إرجاع ما يدرسونه من إسلاميات إلى أصولها في الكتاب والسنة ـ بل إن هذا الحاجز تأدى بهم إلى إرجاع الوحى القرآنى إلى نتاج تاريخى (٣).
من ناحية أخرى فإن المستشرق ابن بيئته التى تربى فيها ورضع لغتها وثقافتها ومناهجها. نقصد أن هذه المناهج جاءت بعد خيبة الأمل التى حصلت ـ لهم ـ من كشف أخطاء الموروث ـ عندهم ـ وكل مصدر سابق للمعرفة باسم الوحى أو الدين نتيجة تسلط الكنيسة باسم الدين وحدوث الخلاف بين العلم والدين في الغرب ، ثم الحملة على الدين بصفة عامة ـ مع أنهم لم يكونوا قد عرفوا الإسلام ـ مع أن الخلاف كان بين العلماء وبين تفسيرات دين الغرب.
وقد ترتب على ذلك ، فضلا عن الثقة المطلقة في المعرفة العقلية ، ظهور أو انتعاش المذاهب المادية وسيادتها بظهور المذهب الوضعى على يد أوجست كونت فى القرن التاسع عشر ، فأصبح ـ من وجهة نظرهم ـ كل فكر تاريخا ، وكل وحى أصبح من نتاج البيئة وفعل الأساطير وإسقاطات الشعوب (٤).
إن الصدام التقليدى بين الدين والعلم ـ فى أوربا ـ نتاج من نتاج القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وهما العصران اللذان ظهرت فيهما العلوم الحديثة. وبعد ظهور هذه
__________________
١ ـ ٧.p (١٩٦١) Mantheunknown : CarleL
٢ ـ اعتمدنا في هذا الجزء على كتاب : التراث والتجديد للدكتور حسن حنفى مكتبة الجديد. القاهرة.
٣ ـ د. حسن حنفى : التراث والتجديد ص ٨٠ ـ ٨٢ مكتبة الجديد القاهرة.
٤ ـ وحيد الدين خان : الدين في مواجهة العلم ص ٥٠ كتاب المختار الإسلامى القاهرة ١٩٧٨ م.