ذاتها. وليس المنهج التاريخى مقتصرا على دراسة علم التاريخ فحسب ، بل له استخداماته في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. والمنهج التاريخى ليس منهجا وصفيا وحسب أو لا يقف عند مجرد الوصف ، وإنما يدرس ظاهرة ما كالظاهرة السياسية ويحللها ويفسرها على أسس منهجية علمية دقيقة ، بقصد التواصل إلى حقائق تساعد على فهم الماضى والحاضر.
من المعروف أن البيئة الثقافية الغربية تنسب الأفكار والمذاهب إلى قائليها ، كالديكارتية إلى ديكارت ، والكانطية إلى كانط ، والهجلية إلى هيجل ، والماركسية إلى ماركس ، حتى انعكس ذلك أيضا على الدين فالمسيحية تنسب إلى المسيح.
ظن المستشرق أن كل حضارة لا بد وقد نشأت بالضرورة على نمط الحضارة الغربية ، فيصنفون مفكرى الإسلام كالغزالى ، والأشعرى ، وابن تيمية باعتبارهم أصحاب مدارس تماما كما يفعلون في بيئتهم الغربية ، فيشيرون إلى الغزالية والأشعرية و... وكما نسبوا الدين إلى المسيح ، يقولون : المحمدية أو المذهب المحمدى ، وعند ما يتكلمون عن محمد ـ «صلىاللهعليهوسلم» يقولون : إنه كان تاجرا كبيرا وناجحا (١) ، وعند ما يتناولون دعوته يقولون : إنها جاءت للانقضاض على الأرستقراطية القرشية.
والمستشرق ـ فى ضوء المنهج التاريخى ـ عند ما ينسب الأفكار إلى الذين صاغوها يهدف من وراء ذلك إلى القول : بأن هذه الأفكار وهذه العلوم نشأت أساسا من هؤلاء الأشخاص. بينما في الإسلام : المفكر المسلم عارض ومحلل ومفسر لتيارات فكرية تتخلله ، فهناك علوم عامة تنشأ من الوحى وتحولت إلى حضارة.
المقصود أن واقع المؤلف وفكره يلزمانه اللجوء إلى النصوص الموحى بها خشية أن يستبدل الناس الحضارة بالوحى ، وترك الأصول وأخذ الفروع.
أما في الغرب ـ فكما قلنا ـ فينسب الفكر إلى قائله «وقد يكون هدف المستشرق من نسبة الفكر إلى القائل به هو إثبات جدب الحضارة ، وصمت الوحى ، وأنه لو لا الفيلسوف أو العالم لما ظهر الفكر ، فالإنسان هو خالق الفكر وليس الوحى هو مصدر الفكر ، فإذا كان هؤلاء المفكرين والعلماء معظمهم غير عرب وإن كانوا مسلمين ، فإن المستشرق بذلك يكون قد حقق هدفه من إثبات نظرته القومية على الحضارة الإسلامية وإرجاع الإبداع إلى الخصائص القومية للحضارة وحتى لا تكون هى الحضارة العربية» (٢).
__________________
١ ـ واط : محمد في مكة.
٢ ـ د. حسن حنفى : السابق ص ٩٠ ـ ٩١