ولكن المستشرق غفل أن العمل الفكرى في تراثنا عملا جماعيا ، لم يحدث باجتماع المفكرين معا في حلقة بحث واحدة ، بل عمل جماعى قامت به الحضارة الناشئة من مركز واحد وهو الوحى ، وكأن الوحى المتحول إلى حضارة هو الذى يضفى على المؤلفين من وحدتهم ، ويجعلهم جميعا وسائل يظهر هو فيها من خلالهم.
هدف الباحث ـ المسلم ـ إذن ليس الإخبار والتعريف بل إرجاع الظواهر الفكرية إلى أصولها الأولى التى خرجت منها ـ الكتاب والسنة ـ لمعرفة كيفية خروجها منها ومحاولة العثور على منهج أو مناهج دائمة ومتكررة يمكن بواسطتها العثور على منهج إسلامى عام.
أما الفهم الغربى للمنهج التاريخى ، فإنه «يقضى على وحدة الظاهرة واستقلالها.
ويرجعها إلى عناصر مادية وإلى عوامل تاريخية مع أن هذه العناصر المادية إن هى إلا عوامل للفكر وليست مصدرا لموضوعاته فالطبيعة لا تنتج فكرا» (١).
هذه كلها تفعل فعلها في حقل الدراسة الاستشراقية وتمسك بتلابيب الباحث ، فلا يستطيع منها فكاكا ، فضلا عما تفرضه مكونات البيئة في الزمان والمكان من مؤشرات قد تصلح لهذا القرن ولكنها لا تصلح البتة لقرن مضى أو واقعة تاريخية سبق وأن تخلقت في بيئة أخرى .. فى مكان آخر وزمان غير الزمان. وهى مؤشرات قد تكون كذلك خاطئة أو مضلّلة ، لكن المستشرق ، ابن القرن العشرين يتشبث بها ويعض عليها بالنواجز معتقدا أنها مفاتيح الحل ومفردات المنهج العلمى السليم (٢).
استخدم الأوربيون المنهج التاريخى لدراسة المسيحية ودراسة المؤثرات الخارجية على نصها الدينى ، كالبابلية والأشورية والفنوصية ، ويبيح هذا المنهج للباحث الكشف عن العناصر الأساسية التى ساعدت على تكوين المسيحية الأولى ـ عهد بولس ـ ، وعند ما يطبق المستشرق هذا المنهج على الظواهر الفكرية الإسلامية ـ والتى هى فى حقيقتها ليست مادية ، أى أنها موضوعات مستقلة وليست موضوعات تاريخية ـ تأتى نتائجه غير صحيحة لأنه يحيل كل شىء إلى ظواهر تاريخية ، وطبقا لهذا المنهج ينكرون نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم» ويصنفونه مع حكماء الفرس وذلك عند ما يعقدون المقابلات بينه وبين زرادشت ومانى. وهكذا يصبح هذا المنهج أداة لمحو نبوة محمد وتفسيرها ضمن النبوءات الأخرى التاريخية. وهو بذلك يقوم على فكرة مسبقة
__________________
١ ـ د. حسن حنفى : السابق ص ٩٤.
٢ ـ د. عماد الدين خليل : المستشرقون والسيرة ، ص ٦٦ مصدر سابق.