البناء النظرى للظاهرة الفكرية الناشئة من تحول الوحى إلى حضارة ليست ظاهرة مركبة تركيبا صناعيا من عناصر ووقائع مادية أنشأتها عوامل تاريخية ، فالظاهرة الفكرية هنا امتداد للنص الدينى (١).
وقد عارض المستشرق السويدى «تور أندريه TorAndrac» صاحب كتاب (محمد حياته وعقيدته) هذا المنهج العقيم الذى سلكه بعض المستشرقين في البحث ، مبينا أن جوهر النبوة ، لا يمكن تحليله إلى مجموعة من آلاف العناصر الجزئية ، ويرى أن مهمة الباحث : أن يدرك في نظرة موضوعية كيف تتألف من العناصر والمؤثرات المختلفة وحدة جديدة أصيلة تنبض بالحياة (٢).
ومنهج تفتيت الظواهر إلى جزيئات لا يمكن أن تكون منهجا عاما متفقا عليه ، لأنه نابع من عقلية الباحث الغربى ومزاجه وثقافته وبيئته وطبيعة الدين الذى نشأ فيه. ومن هنا يتضح خطأ المستشرق حين يطبق هذا المنهج ـ الإقليمى أو المحلى ـ على الظاهرة الدينية الإسلامية.
أما المسيحية ، فطبقا لها يمكن تقسيم الظاهرة إلى عوامل دينية وأخرى غير دينية ، وذلك لأن الدين المسيحى لا ينظم إلا الجانب الروحى ، أما الجوانب المادية التى تتضمن ، عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية فلا شأن للدين بها.
ومن أخطاء المستشرقين ـ أيضا ـ فى تطبيق هذا المنهج على النبوة والوحى ، والقرآن والسيرة ... :
١ ـ أنه قد يلجأ إليه عامدا للقضاء على الطابع الكلى الشامل وهو أهم ما يميز الحضارة الإسلامية التى قامت ـ أيضا ـ على وحى كلى شامل.
٢ ـ قد يلجأ إليه بطريقة لا شعورية ، عن رغبة دفينة في الهدم والقضاء على الظاهرة.
٣ ـ قد يلجأ إليه حتى يمكن رد كل جزء إلى أجزاء شبيهه في حضارات معاصرة ، ومن ثم يكون التحليل مقدمة لإثبات الأثر الخارجى وتفريغ الظاهرة ـ الوحى والنبوة ـ من مضمونها الأصيل.
وأخيرا فإن نظرة المستشرقين إلى هذا المنهج ـ نتاج الفكر الاستشراقى الغربى على أنه منهج عام وشامل ، يمكن تطبيقه على أى دراسة إنسانية ، كدراساتهم للإسلام ،
__________________
١ ـ د. حسن حنفى : السابق ص ٩٧.
٢ ـ محمد كامل عياد : مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ج ٤ ص ٧٩٧ ، ١٩٦٩ م.