هذه النظرة أدت بهم إلى أخطاء جسيمة كإصدار أحكام عامة على الحضارة الإسلامية بالجدب ، وعلى الدين بالجمود ، وعلى الوحى بالاضطراب والاختلاط وعلى التوحيد بالتجريد ، وعلى العقائد بالقضاء والقدر وعلى الشعوب بالتخلف (١)
٣ ـ المنهج الإسقاطى :
منهج التصورات والانطباعات الزائفة عن موضوع البحث ، والتى تنشأ من خضوع المستشرق لهواه وعدم استطاعته التخلص من الانطباعات التى تركتها بيئته لديه بيئته الثقافية المعينة ـ مع أن التحرر من الأحكام المسبقة العقلية والانفعالية معا هو الشرط الأول للبحث العلمى ـ.
هذه الانطباعات والتصورات والأحكام المسبقة تؤدى بالباحث ـ المستشرق ـ إلى أخطاء جسيمة : فالظاهرة الموجودة بالفعل بما أنها لا توجد كصورة عقلية في ذهنه فإنه يحكم عليها بالنفى. والظاهرة التى لا وجود لها بالفعل ولكنها توجد كصورة ذهنية عند المستشرق فإنه يحكم عليها بالوجود الفعلى (٢).
ومعنى هذا أن أصحاب هذا المنهج من المستشرقين : يعينون لهم غاية ويقررون فى أنفسهم تحقيق تلك الغاية بكل طريق ، ثم يقومون لها بجمع معلومات من كل رطب ويابس ... وإن كانت هذه المواد تافهة لا قيمة لها ، ويقدمونها بعد التمويه بكل جراءة ، ويبنون عليها نظرية لا يكون لها وجود إلا في نفوسهم وأذهانهم (٣).
وطبقا لهذا المنهج فإن الباحث يصدر أحكاما قيمة يعلى فيها من شأن الصور الموجودة في ذهنه ، ويقلل من شأن الموضوعات المدركة بالفعل.
وبتطبيق هذا المنهج على الدراسات الإسلامية فإن المستشرق يسقط تصوره للمسيحية على الإسلام ، فتصبح المسيحية المتصورة هى الإسلام في الواقع ، والإسلام الحقيقى منفى ، فلا وجود له ، كأن يسمى الإسلام بالمحمدية كما تنسب المسيحية للمسيح ، والبوذية لبوذا ، وكثيرا ما تحدث المستشرقون على الكنيسة الإسلامية أو السلطة الدينية وعلاقتها بالدولة ، أو اتهام التوحيد الإسلامى بأنه تجريد خالص ، والحكم على التنزيه بأنه تجريد إسقاط من التجسيم والتشبيه الذى تعج بهما اليهودية والنصرانية.
__________________
١ ـ د. حسن حنفى : السابق ص ١٠٠ ـ ١٠١.
٢ ـ د. حسن حنفى : السابق ١٠١.
٣ ـ أبو الحسن الندوى : الإسلام والمستشرقون ص ٢٠ ط ندوة العلماء لكنهؤ. الهند ، وأنظر د. محمد الدسوقى : الفكر الاستشراقى في ميزان النقد العلمى ص ١٠٨ الكتاب الدورى لقسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة. العدد الأول ١٤١٣ ه.