إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أشار إلى طرف المشابهة من حيث الصورة (يُوحى إِلَيَ) أشار إلى طرف المباينة من حيث المعنى» (١). وهذا معنى مجىء الملك إلى النبى وظهور أثر التغير على الرسول ، فيغيب كما لو كان مغشيا عليه وهو ليس كذلك وإنما هى حالة انسلاخه من حالته البشرية العادية. وعلم النبى في تلك الحالة «علم شهادة وعيان ـ لا وهم وخيال ـ لا يلحقه الخطأ والزلل ولا يقع فيه الخطأ والزلل ، ولا يقع فيه الخطأ والوهم ، بل المطابقة فيه ذاتية لزوال حجاب الغيب وحصول الشهادة الواضحة عند مفارقة هذه الحالة البشرية» (٢).
ولأصحاب هذا المذهب دليلان :
الأول : نزول جبريل ـ عليهالسلام ـ فى زمن صبا النبى ليطهر قلبه من المادة التى تمنعه من الترقى ، فقد روى أنس «أن رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» ، أتاه جبريل ذات يوم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه ، فشق عن قلبه فاستخرج منه علقه ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ...» (٣).
الثانى : أن صعود الآدمى ببدنه إلى السماء قد ثبت في أمر المسيح فإنه صعد إلى السماء ... وكذلك إدريس صعد إلى السماء. وكذلك عند أهل الكتاب أن إلياس صعد إلى السماء ببدنه» (٤).
المذهب الثانى : القائل بانسلاخ الملك من صورته الملائكية إلى الصورة البشرية ، فالملائكة قادرة على التشكيل بأشكال مختلفة (٥) ، فالملك الروحانى قد يتمثل للنبى بمثال صورة البشر (٦) تمثل المعنى الواحد بالعبارات المختلفة أو تمثل الصورة الواحدة فى المرايا المتعددة أو الظلال المنكسرة للشخص الواحد فيكالمه مكالمة حسية ويشاهده مشاهدة عينية» (٧) وإذا تصور صعود البشر فلم لا يتصور نزول الملك؟ وإذا تصور أنه خلع لباس البشرية فلما لا يجوز أن يلبس الملك لباس البشرية؟
__________________
١ ـ الغزالى : معارج القدس ص ١٤٧. والملل والنحل للشهرستانى ج ٢ ص ١٠٥.
٢ ـ ابن خلدون : المقدمة ص ٣٩٥. كتاب الشعب. بمصر.
٣ ـ أخرجه مسلم ج ١ ص ٢١٦ بشرح النووى ، دار الفكر بيروت وأخرجه أحمد في مسنده ج ٢ ص ١٢١ ، ١٤٩ وزاد في آخره : وقال أنس : وكنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره «صلىاللهعليهوسلم».
٤ ـ ابن تيمية : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج ٤ ص ١٧٠ ـ ١٧١ مطابع المجد التجارية. مصر.
٥ ـ أنظر عصمة الأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام للمؤلف. دار الإيمان بالإسكندرية.
٦ ـ ينكر مونتجمرى واط انسلاخ الملك من الحالة الملائكية إلى الحالة البشرية وسوف نفند شبهته فى الفصل الخامس من هذا الكتاب. إن شاء الله.
٧ ـ الشهرستانى : السابق ج ٢ ص ١٠٥ ، السيوطى : السابق ص ٤٤.