الجاهل بالوضع ـ عند تصوره اللفظ ـ عالما بالمعنى ، مع ان اعتبار الملازمة بين تصور اللفظ والمعنى ـ بالاضافة الى الجاهل ـ لغو محض. وإن ادعى أن الملازمة الاعتبارية ثابتة فى حق خصوص من علم بالوضع ، فهى لا محصل لها ، فان الملازمة ـ بين اللفظ والمعنى فى الوجود الذهنى ـ متحققة فى نفس الامر مع قطع النظر عن الاعتبار. وفى مثله لا معنى للاعتبار ، لانه من اعتبار ما هو ثابت فى حد نفسه ، فلا يبقى لاعتبار الملازمة بين اللفظ والمعنى وجه معقول.
القول الثالث ـ إن الوضع من الامور الاعتبارية ، وهو عبارة عن اعتبار وجود اللفظ وجودا للمعنى تنزيلا. (بيان ذلك) أن للشيء سنخين من الوجود : (احدهما) ـ وجود حقيقى الذى هو وجوده فى نظام الوجود من الجواهر والاعراض. (ثانيهما) ـ وجود اعتبارى ، وقوامه الاعتبار والفرض. فالملكية مثلا لها وجود حقيقى ، وهو إحاطة المحيط بالمحاط إحاطة خارجية ، ولها وجود اعتبارى كاعتبار شيء ما ملكا لزيد فى الوقت الذى يكون بينه وبين ملكه مسافة بعيدة. وقد ادعى أن الوضع من هذا القسم ، فان الواضع حين يجعل ربطا بين اللفظ والمعنى لا يقصد من ذلك إلّا أن المعانى توجد بوجود تلك الالفاظ ، بحيث يكون وجود اللفظ وجودا ثانيا للمعنى تنزيلا. وهو هو. ولذلك يسرى اليه ما للمعنى من القبح أو الحسن ويستحق ما يستحقه المعنى من الاهانة او التعظيم. ولهذا كانت اسماء الله تبارك وتعالى محرمة المس على الجنب ، وأنه لا يجوز تنجيسها ، وما شاكل ذلك. وبالعكس أسماء اعداء الله تعالى ، فانها تهان وتهتك بشتى الاساليب. وما ذلك إلّا لان وجود اللفظ وجود للمعنى تنزيلا.
وعليه فالوجودات ثلاث : حقيقى خارجى ، وحقيقى ذهنى ، ووجود لفظى.