ورووا أنّ حكم داود عليهالسلام لم يكن على البتّ ، وحملوا حكمهما على الاجتهاد (١) . ولا يخفى ما في هذا الحمل من الفساد.
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّه كان أوحى الله عزوجل إلى النبيّين قبل داود عليهالسلام إلى أن بعث الله داود عليهالسلام : أيّ غنم نفشت في الحرث فان لصاحب الحرث رقاب الغنم ، ولا يكون النّفش إلّا باللّيل ، فإنّ على صاحب الزرع أن يحفظ زرعه بالنّهار ، وعلى صاحب الغنم أن يحفظ غنمه باللّيل. فحكم داود عليهالسلام بما حكم به الأنبياء من قبل ، فأوحى الله عزوجل إلى سليمان عليهالسلام : أيّ غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلّا ما خرج من بطونها ، وكذلك جرت السنّة بعد سليمان عليهالسلام ، وهو قول الله : ﴿وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً﴾ وحكم كلّ واحد بحكم الله عزوجل » (٢) .
وفي رواية اخرى ما يقرب منه (٣) .
وعنه عليهالسلام : « أوحى الله إلى داود عليهالسلام أن اتّخذ وصيّا من أهلك ، فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيّا إلّا وله وصيّ من أهله ، وكان لداود عليهالسلام عدّة أولاد وفيهم غلام كانت أمّه عند داود عليهالسلام ، وكان لها محبّا ، فدخل عليها داود عليهالسلام حين أتاه الوحي فقال لها : إنّ الله عزوجل أوحى إليّ أن أتّخذ وصيّا من أهلي ، فقالت له امرأته : فليكن ابني ، قال : ذلك أريد ، وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنّه سليمان عليهالسلام ، فأوحى الله تعالى إلى داود عليهالسلام : أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري.
فلم يلبث داود عليهالسلام أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم ، وأوحى الله عزوجل إلى داود عليهالسلام : أن اجمع ولدك ، فمن قضى بهذه القضيّة فأصاب فهو وصيّك من بعدك ، فجمع داود عليهالسلام ولده ، فلمّا أن قصّ الخصمان قال سليمان عليهالسلام : يا صاحب الكرم ، متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك ؟ قال : دخلته ليلا ، قال : قد فضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا.
ثمّ قال له داود عليهالسلام : فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل ، فكان ثمن الكرم قيمة الغنم ؟ فقال سليمان عليهالسلام : إنّ الكرم لم يجتثّ من أصله ، وإنّما أكل حمله وهو عائد من (٤) قابل.
فأوحى الله عزوجل إلى داود عليهالسلام : إنّ القضاء في هذه القضيّة ما قضى سليمان عليهالسلام به ، يا داود: أردت أمرا وأردنا أمرا غيره. فدخل داود عليهالسلام على امرأته فقال : أردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره ، ولم
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٧٩.
(٢) الكافي ٥ : ٣٠٢ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٨.
(٣) الكافي ٥ : ٣٠١ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٨.
(٤) في الكافي : في.