فانّ كثيرا من الامور لا يمكنكم العلم بحقيقته وحدوده ، ومنها الروح ، فانّه لا يعرف إلّا بآثاره وعوارضه الخاصة به.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا قال ذلك قالوا : نحن مختصّون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه ؟ فقال: « بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلّا قليلا » فقالوا : ما أعجب شأنك ، ساعة تقول : ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾(١) وساعة تقول : هذا ؟ ! فنزلت ﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ﴾ الآية » (٢) .
القمي ، قال : إنّ اليهود سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الروح ، فقال : ﴿الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾ قالوا : نحن خاصة ؟ قال : بل النّاس [ عامّة ] قالوا : فكيف يجتمع هذان يا محمّد ؛ تزعم أنّك لم تؤت [ من ] العلم إلّا قليلا ، وقد اوتيت القرآن ، وأوتينا التوراة ، وقد قرأت ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ فأنزل الله : ﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ﴾ إلى آخره (٣) .
يقول : علم الله أكبر من ذلك ، وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « تفسيرها في الباطن أنه لم يؤت العلم إلا اناس يسير فقال : ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾ منكم » .
وعن الصادق عليهالسلام - في حديث - « ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم ، فوصفوا ربّهم بأدنى الأمثال ، وشبّهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به ، فلذلك قال : ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾ فليس له شبه ولا مثل ولا عدل » (٥) .
وقيل : إنّ نظر السائلين إلى السؤال عن حقيقة الروح وقدمه وحدوثه ، فأجاب عن كليهما بكون الروح خالية عن العلوم ، ثمّ تحدث فيها العلوم قليلا قليلا ، فلا تزال في التغيير من حال إلى حال ، ومن النقص إلى الكمال ، وهو آية الحدوث (٦) .
وقيل : إن المراد بالروح هنا هو القرآن ، حيث إنه تعالى سمّاه في آيات عديدة روحا ، لأنّ به تحصل حياة القلوب ، وهو المناسب لما قبل الآية من قوله : ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ﴾(٧) الآية ، ولما بعده من قوله : ﴿وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَ﴾(٨) الآية ، وقوله : ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ﴾(٩) الآية ، فيكون المراد أنّ القرآن هل هو سحر أو كهانة أو شعر أو نازل من الله ؟ (١٠)
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٢٦٩.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٥٣ ، والآية من سورة لقمان : ٣١ / ٢٧.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٦٦ ، تفسير الصافي ٤ : ١٥٠.
(٤) تفسير العياشي ٣ : ٨٢ / ٢٦٠٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٥.
(٥) التوحيد : ٣٢٤ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٥.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ٣٨.
(٧) الإسراء : ١٧ / ٨٢.
(٨) الإسراء : ١٧ / ٨٦.
(٩) الإسراء : ١٧ / ٨٨.
(١٠) تفسير الرازي ٢١ : ٣٨.