تبدأ سلام الله عليها خطبتها بفعل المطاوعة (ابتعث) الذي قَبِلَ الأثر فكان في أمرين (الإتمام ، والعزيمة) ، وفيه إشارة إلى قول الرسول صلّى الله عليه وآله : (إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)(١) ، وقد جعلت العلم مساوقاً لمكارم الأخلاق ، فالعلم هو مورد الأخلاق ، والعكس صحيح.
وأمّا العزيمة هو التكليف الذي لا يسقط(٢) ، وبعد هذا الإتمام ، والتكليف الذي لا يسقط(العزيمة) ، جاء الترتيب بالفاء الرؤية (فرأى الأمم) التي كانت فرقاً في غابر أزمانها وأديانها ، فمنها من عبد النيران ، وهم المجوس ، وآخرون عبدوا الأوثان الذين يرونها تُقرّب إلى الله زلفى(٣).
ترتّب على هذين الأمرين (إتمام الأخلاق) و (التوحيد) (فأنار الله بمحمّد ظلمها ، وفرّج عن القلوب بهمها ، وجلا عن الأبصار عمهها) ، ترتّب عليه الإنارة الإلهيّة بالرسول الذي فرّج غمّ القلوب ، وجلا نور الأبصار.
والملاحظ إنّ ارتباط السبب بالنتيجة قد أفادته (الفاء) التي كان ما بعدها لازماً لما قبلها(٤) ؛ فالفاء بوصفها رابطاً حجاجيّاً ، أوحت لنا بهذا الترتيب الذي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سفينة البحار : ٢ / ٦٧٦ ، مجمع الزوائد : في حسن خلقه وحيائه وحسن معاشرته (النبيّ صلّى الله عليه وآله) : ٩ / ١٥.
(٢) ينظر : مصباح الاصول : ٤٨/١٠٣.
(٣) قال تعالى : (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ). الزمر/٣.
(٤) انظر : بعدها (فمحمّد من تعب) و (فجعل الله الإيمان تطهيراً) و (فإنّه إنّما يخشى الله) و (فبلّغ بالرسالة) و (فأنقذكم الله) ، وغيرها.