وثانيا : أنّ الوضع يحتاج إلى موضوع وموضوع عليه وموضوع له ، ففي مثل علامة الفرسخ الموضوع عليه هو المكان ، والموضوع له هو الدلالة على الفرسخ ولكن في مقام الوضع ليس أمرا يكون موضوعا عليه أصلا.
فالتحقيق أن يقال بكون الوضع عبارة عن أمر حقيقي وهو القول الثاني ، وهو عبارة عن التزام وبناء صادر عن الواضع في أنّه متى أراد المعنى الفلاني يتكلّم باللفظ الفلاني ، وهذا معنى لا يرد عليه شيء مما أورد على ما تقدّمه ، ويكون جامعا بين وضع الأطفال والحيوانات ومثل وضع العلم للدلالة على الفرسخ وغيرها ، (ويكون موافقا لمعناه اللغوي (١) فإنّ الوضع هو الجعل والالتزام مجعول من نفس الجاعل وفعل من أفعاله وعرض من أعراضه.
ودعوى أنّ العرض لا يقوم بالكليّات وقد يوضع اللفظ للكلّي كما يوضع للشخصي يدفعها أنّ الكلّي والجزئي ممّا يتعلّق بهما هذا العرض وليسا موضوعا له كي يستحيل عروض العرض عليه ، بل الموضوع نفس الواضع والوضع فعل من أفعاله كقيامه وأكله) (٢).
ويؤيّده أنّ هذا البناء موجود في كثير من العقلاء في أفعالهم ، فإنّه قد يبني على أنّه متى رفع عمامته فمعناه : هات الشاي للضيف أو أنّه متى صفّق فمعناه : أسرعوا في القيام ، فالوضع أيضا بناء منه على أنّه متى تكلّم بهذا اللفظ فهو مريد لهذا المعنى ، والوضع بناء على ذلك داخل في أفعال الواضع.
وأمّا القول بأنّ الوضع أمر بين أمرين فهو متوسّط بين الحقيقيّة والاعتباريّة كما هو رأي الميرزا النائيني قدسسره بتقريب أنّ البشر لمّا كان انتظام امورهم لا يتمّ إلّا بالتفهيم والتفهّم ، وكان التفهيم والتفهّم بالإشارة عسرا أو غير ميسور دائما كما في الظلمة
__________________
(١) انظر المفردات والمنجد : (وضع).
(٢) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.