بينه وبين القسم الثاني ، وهو كون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا بدعوى أنّه كما يكون تصور الكلّي موجبا لتصوّر الأفراد كذلك الفرد يكون موجبا لتصور الكلّي ، فإنّ الكلّي إنّما يتصوّر بأفراده الخارجية.
وبالجملة ، إن كان التصوّر المعتبر في الوضع لا بدّ أن يكون موجبا لتصوّر الموضوع له بتمام خصوصيّاته فليس هذا التصوّر موجودا في القسم الثاني فكيف التزمتم به؟ وإن كان التصوّر بنحو ما كافيا فلا فرق بين هذا القسم الرابع والقسم الثاني.
ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام ، فإنّ الكلّي مرآة لأفراده فتصوّره تصوّر لها.
بيان ذلك : أنّ تصوّر الكلّي يكون بنحوين :
ـ فتارة يتصوّر للحكم عليه بحكم يخصّه ولا يسري إلى أفراده أصلا كما في قولنا : الإنسان كلّي أو نوع ، فإنّ هذا الحكم حكم خاصّ بالكلّي من غير أن يكون هذا المحمول ثابتا لفرد من أفراده ، وتسمّى هذه المحمولات بالمعقولات الثانوية ، وفي هذه لا يكون تصوّر الكلّي تصوّرا لأفراده أصلا ؛ ضرورة أنّ الكلّية والنوعيّة ليستا من أحكام الأفراد.
ـ واخرى يتصوّر للحكم عليه بحكم لا يصدق إلّا في الخارج كما في قولنا : النار حارّة ، فهذا الحكم إنّما يثبت للنار باعتبار وجودها الخارجي الكائن في ضمن الأفراد ، وإلّا فتصوّر النار ليس محرقا والوضع من الأحكام أيضا على الماهيّة بلحاظ أفرادها الخارجيّة ، فهو يعني الكلّي مرآة لها حينئذ ، فيصحّ أن يتصوّر ذلك المعنى ويوضع ذلك اللفظ لأفراد ذلك المعنى الكلّي المتصوّر ، وهذا بخلاف العكس فإنّ تصوّر الفرد إن كان مع خصوصيّته الفرديّة فلا يوجب تصوّر الأمر الكلّي أصلا ، وإن كان مجرّدا عن خصوصيّته الفرديّة فهذا تصوّر لنفس الكلّي لا الجزئي ، غاية الأمر أنّه صار واسطة في ثبوت التصوّر للكلّي.