في المعنى الحرفي
والأقوال فيه ثلاثة :
الأوّل : أنّ الحرف لم يوضع للدلالة على معنى وإنّما هو علامة نظير حركات الإعراب ، فهي علامة لكيفيّة إرادة المدخول ، مثلا : الدار تارة تستعمل ويراد منها أنّها عين موجودة في الخارج فيقال : دار فلان وسيعة ، واخرى بما أنّها ظرف مكان فيقال : زيد في الدار ، فلفظة «في» دالّة على المعنى الأيني الظرفي ، كما أنّ رفع زيد في قولنا : ضرب زيد ، علامة لكون الضرب صادرا منه ونصب عمرو ، علامة كون الضرب واقعا عليه ، كذا الحروف أيضا علامات وقرائن لكيفيّة إرادة المدخول (١).
ولا يخفى عليك ما فيه ؛ فإنّ هذه العلاميّة المتحقّقة في المقام هل هي بوضع أم أنّها ليست بوضع؟ لا ريب في كونها بوضع ، كما نلتزم ذلك في المقيس عليه أيضا فإنّ حركات الإعراب أيضا ببناء وتعهّد من الواضع ، وكذا الهيئة التركيبيّة في قولنا : ضرب موسى عيسى ، فإنّ تقديم ما لا تظهر عليه الحركة أمارة كونه فاعلا إنّما كانت لتعهّد العرب بذلك حيث يلتبس الحال.
وبالجملة ، فالوضع لا يختص بالمفردات بل يسري حتّى في الهيئات التركيبيّة وفي المركبات أيضا كما سيأتي.
القول الثاني : أنّ المعنى في الأسماء والحروف واحد ، وإنّما تفترق في الاستعمال وكيفيّته ، فإن استعمل بنحو الآليّة كان المعنى معنى حرفيّا وإن استعمل بنحو الاستقلاليّة فهو معنى اسمي ، فمفهوم المعنى الاسمي والحرفي مفهوم واحد ، وإنّما يفرّق بينهما في كيفيّة الاستعمال ، فقد يلحظ آلة وقد يلحظ استقلالا ، إلّا أنّ هذين اللحاظين إنّما هما من شئون الاستعمال لا من خصوصيّات المعنى. وقد اختار
__________________
(١) انظر شرح الكافية للشيخ نجم الدين الرضي ١ : ١٠.