وبالجملة ، فحيث كان العرض ذا جنبتين فإنّها أوصاف في نفسها لكنّها لغيرها ، فإن لوحظت باللحاظ الأوّل فهي اسم مصدر ، وإن لوحظت باللحاظ الثاني فهي المصادر.
ولا يخفى عليك أنّ صرف كونها حالة لغيرها لو كان مقتضيا لكون المعنى حرفيّا لزم كون المصادر كلّها معاني حرفيّة وهو بمكان من البطلان ، فافهم.
وحيث بطل هذان المعنيان تعيّن الثالث يعني القول الثالث وهو كون المعاني الحرفية مغايرة للمعاني الاسمية بنحو المباينة وأنّ الموضوع له لأحدهما غير الموضوع له للآخر وقد ذكروا في تقريبه وجوها :
الأوّل : إنّ الحروف موضوعة للنسب بين الجواهر والأعراض ، مثلا زيد معنى مستقل والدار أيضا معنى مستقلّ ، فكما أنّ المعاني المستقلّة محتاجة إلى وضع لتفهيمها فكذلك الربط بين هذه المعاني المستقلّة له وجود خارجي ، فلا بدّ له من دالّ يدلّ عليه وهي الحروف. فإذا قلت : زيد في الدار فقد ربطت بين زيد وبين الدار ، وكذا قولك : زيد في السفر مثلا ، (مع أنّ المعنى الاسمي والحرفي لو كانا واحدا واختلافهما باللحاظ الآلي والاستقلالي الناشي من الاستعمال خارجا عن مدلولهما لكان استعمال أحدهما بمكان الآخر جائزا ، وكان أولى من المجاز المتّفق على صحته ؛ لأنّ المجاز استعمال في غير ما وضع له من جهة المشابهة أو غيرها ، وهنا الاستعمال في ما وضع له وإن كان بغير ما وضع له ، ونحن نرى من يستعمل أحدهما في مورد الثاني يعتبر مجنونا فهذا دليل اختلاف المعنى الموضوع له) (١).
وفيه : إنّ الحروف لو لم تستعمل إلّا بين الجواهر أو الأعراض لكان هذا الوجه وجيها ، ولكنها تستعمل في غيرها مما هو فوق الجواهر والأعراض كما في قولك : الملك لله ، فإن هذه اللام ربطت بين الملك وبين أي شيء؟
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات الدورات اللاحقة.