متحقّقين في الخارج قطعا ويسأل السائل عن تحقّق ذلك التقيّد وعدمه ، فيقول : صلاة زيد في المسجد أم في الدار مثلا؟ وضرب زيد بالعصا أم بالسوط؟ إلى غير ذلك مما يقع السؤال فيه عن نفس المعنى الحرفي ليس إلّا ، فهو ملحوظ بالاستقلال أيضا كالمعاني الاسميّة. فكما أنّ المعاني الاسمية تلحظ استقلالا كذلك المعاني الحرفيّة ، وهذا لا ينافي كونها بذاتها غير مستقلّة ، فإنّ غير المستقل قد يلحظ بلحاظ استقلالي كما مثلنا ، فافهم.
والغرض من هذا التطويل هو بيان كون المعاني الحرفيّة قابلة للّحاظ الاستقلالي. ويترتّب على ذلك صحّة اعتبار المفهوم ، ولا يتوجّه عليه الإشكال بأنّ معنى الهيئة معنى حرفي فكيف يصحّ أن يقيّد والتقييد يستدعي اللحاظ الاستقلالي وهو مفقود في المعاني الحرفيّة؟ لأنّ تعلّق اللحاظ الاستقلالي به أيضا ممكن فلا إشكال في استفادة المفهوم حينئذ سواء كان مفهوم شرط أو غاية أو وصف ، فافهم.
بقي الكلام في أنّ الموضوع له في الحروف عامّ كما ذهب إليه في الكفاية (١) بدعوى اتّحاد المعنى الاسمي والحرفي ، والفرق بينهما إنّما هو باللحاظ الآلي في الثاني والاستقلالي في الأول ، وهما ناشئان من الاستعمال ، أو أنّ الموضوع له خاصّ؟ الظاهر : الثاني ؛ فإنّ الواضع تصوّر مفهوم التقييد والتضييق إلّا أنّه وضع الألفاظ بإزاء واقعهما ، فإنّ لفظة «في» غير مفيدة لمفهوم التقييد على سعته وإطلاقه ، وإنّما هي مفيدة لتقييد واقعي وموجدة له ، فهي موجدة لفرد من أفراد التقييد والتضييق وكذا غير لفظ «في».
وبالجملة ، فالظاهر أنّ وضعها عامّ والموضوع له فيها هو واقع التقييدات لا مفهومها فيكون الموضوع له فيها حينئذ خاصّا. هذا تمام الكلام في المعنى الحرفي والكلام فيه أزيد من هذا تضييع للعمر وخسران للوقت.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٥.