(وإذا بنينا على أنّ الإطلاق استعمال فما ذكره صاحب الفصول في الشقّ الأوّل من الترديد متين لا يردّه ما في الكفاية (١) من كفاية المغايرة الاعتباريّة ، فبما أنّه صادر من لافظه دالّ ، وبما أنّه مراد مدلول ؛ وذلك لأنّ كلّ فعل يصدر من المكلّف لا بدّ أن يكون مرادا إذا لم يكن بالقهر كقيامه أو قعوده وغيرهما ولم يكن طبعيّا أيضا ، فجهة كونه مرادا هي جهة صدوره لا غيرها. وكذا لا يردّه ما ذكره بعض المحققين (٢) من عدم البأس بوحدة الدالّ والمدلول ؛ لأنّ التضايف ليس من التقابل دائما ، بل قد يكون من التقابل وقد لا يكون منه ، كما دلّ الله على ذاته بذاته فهو دالّ ومدلول ، وكعلم زيد بنفسه فهو عالم ومعلوم ؛ وذلك لأنّ هذا وإن كان صحيحا إلّا أنّه في غير باب الاستعمال ، أمّا باب الاستعمال فلا يمكن أن يدلّ اللفظ على نفسه) (٣).
في تبعيّة الدلالة للإرادة وعدمها
اللفظ له دلالة على معناه توجب تصوّر معناه متى صدر هذا اللفظ ، فمتى سمع السامع لفظ السيف مثلا يحضر في ذهنه معناه ، سواء صدر ذلك الصوت من إنسان أو من اصطكاك الحجر بالحجر ، وهذه الدلالة هي الدلالة التصوريّة.
وهناك دلالة اخرى وهي دلالة اللفظ على كون الناطق به مريدا لإفهام معناه للمخاطب ، سواء في ذلك أن يتلفّظ بلفظ مفرد أو جملة تركيبية ، فهو متى نطق بلفظ مفرد يفهم أنّه في صدد إبراز كونه مريدا لذكره ، وإن تلفّظ بجملة فهو مبرز لكونه في مقام الإخبار على ما حقّقناه في مفاد هيئة الجملة الخبرية ، وهذه الدلالة تسمّى بالدلالة الاستعماليّة أو التصديقيّة في اصطلاح المشهور.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٩.
(٢) نهاية الدراية ١ : ٦٥.
(٣) ما بين القوسين من اضافات الدورة اللاحقة.