الوضع التعييني والتعيّني
ثمّ إنّ الوضع قد يكون تعيينيّا ، وقد يكون تعيّنيا والوضع التعييني على قسمين : فإنّه تارة يكون بأن يصرّح الواضع بأنّه قد وضع اللفظ الفلاني للمعنى الفلاني ، وهذا القسم من التعييني مقطوع العدم ؛ إذ لو وضع النبي صلىاللهعليهوآله هذه الألفاظ للمعاني المخترعة لنقل ذلك إلينا متواترا ولا أقلّ من الآحاد ، ولم يرد ذلك أصلا.
وقياسه على نصّ الخلافة باطل ، أمّا أولا فلأنّ نصّ الخلافة لعليّ يوم الغدير قد زاد على التواتر من طرق أبناء العامّة فضلا عن الخاصّة.
وأمّا ثانيا فلأنّ القياس مع الفارق ؛ لوجود دواعي الإخفاء هناك ليتمّ مرامهم ، وليس لهم غرض في إخفاء وضع الألفاظ لمعانيها.
وتارة يكون الوضع التعييني بالاستعمال ، بأن يضع مستعملا بالقرينة ، وهذا أمر ممكن.
وما زعمه الميرزا النائيني قدسسره (١) رادّا على الكفاية (٢) بأنّ الاستعمال يقتضي كون اللفظ ملحوظا آلة والوضع يقتضي كون اللفظ والمعنى معا ملحوظين بنحو الاستقلال ، ولحاظ الآليّة والاستقلاليّة للّفظ غير ممكنة ، مردود أوّلا : بأنّ الاستعمال قد يوجب كون اللفظ ملحوظا استقلالا أيضا كما إذا كان الرجل عطشانا وأراد إفهام شخص آخر أنّه عارف باللغة العربيّة فيقول : أعطني ماء مثلا ، فهذا اللفظ ملحوظ بكلّ من اللحاظين ، الآليّة ؛ لعطشه ، والاستقلاليّة ؛ لكونه مريدا إعلامه معرفته العربيّة لغرض من الأغراض.
وثانيا أنّ الوضع سواء كان عبارة عن الاعتبار النفساني أو جعل اللفظ علامة على المعنى أو وجودا تنزيليا له أو تعهّدا هو أمر نفساني ، فلا يعقل أن يكون الاستعمال الخارجي محقّقا له ، نعم يكون كاشفا عن تحقّقه وسبقه وحينئذ فأين اجتماع اللحاظين؟
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٤٩.
(٢) كفاية الاصول : ٣٦.