ذلك المعنى الغير المتقيّد بقيد والغير المتخصّص بخصوصيّة ، فإذا جعل ذلك اللفظ بطبيعيّة لمعنيين فهو مناف لكونه بطبيعيّة يفيد طبيعيّ المعنى الأوّل.
والحقّ أن يقال : إنّ جواز الاشتراك واستحالته مبنيّ على ما تقدّم في الوضع وحقيقته ، فإن قلنا بكون الوضع وجودا تنزيليّا للمعنى أو أنّه اعتبار كونه علامة على المعنى ، كوضع العلم على رأس الفرسخ والعمامة على الرأس فلا ينبغي الريب في جواز الاشتراك ؛ لجواز أن يكون اللفظ وجودا تنزيليا لشيئين يميّز بينهما بالقرينة. وكذا لا مانع من أن يعتبر الواضع اللفظ وجودا تنزيليّا لهذا مرّة ، ووجودا تنزيليّا لذاك اخرى ويميّز بينهما بالقرينة الحاليّة أو المقاليّة. وتكون فائدة الوضع حينئذ هو كون اللفظ مفيدا للمعنى بنحو الاقتضاء ، بمعنى كون اللفظ له أهليّة الاستعمال في أيّ المعنيين واقتضاء الإفادة وإن كان تمامها موقوفا على القرينة المعيّنة.
وأمّا بناء على ما ذكرنا من كون الوضع هو التعهّد بأنّه متى أراد المعنى جعل مبرزه هذا اللفظ ، فلا يعقل أن يتعهّد ثانيا بأنّه متى أراد معنى آخر جعل مبرزه نفس هذا اللفظ إلّا بعد إعراضه عن تعهّده السابق أو جعل اللفظ مبرزا لأحدهما وكلاهما مناف للاشتراك اللفظي. فلا بدّ من القول باستحالة الاشتراك لمنافاته لأصل الوضع لا لحكمة الوضع.
فلا بدّ فيما نراه من الاشتراكات من التزام أحد أمور :
إمّا القول بأنّ الوضع للجامع بين تلك المعاني كما هو الواقع في كثير من المشتركات كما هو ظاهر لمن أمعن النظر في كتب اللغة.
وإمّا القول بأنّه قد تعهّد عند الوضع للأوّل أنّه متى أطلق هذا اللفظ أراد هذا المعنى ، ثمّ أعرض عن تعهّده الأوّل وتصوّر جامعا يشمل الأوّل والثاني فوضع اللفظ بنحو الوضع العامّ الموضوع له الخاصّ.
وإمّا القول بتعدّد الواضع كما نقل عن جرجي زيدان المؤرّخ الشهير : أنّ منشأ وقوع الاشتراك في لغة العرب هو ضمّ لغات القبائل بعضها إلى بعض ، فافهم.