وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّه لا معنى لاستصحاب الصدق إذا كانت الشبهة مفهوميّة ، كما في المغرب الذي يشكّ في مفهومه أنّه سقوط القرص أو ذهاب الحمرة المشرقيّة ، فإنّ سقوط القرص معلوم وعدم ذهاب الحمرة المشرقيّة أيضا كان معلوما والمغرب لا يخرج عنهما ، فأيّ معنى حينئذ لاستصحاب عدم المغربيّة؟
وبالجملة ، فالاستصحاب إنّما يجري حيث يشكّ في وجود شيء كان معدوما أو انعدام شيء كان موجودا وفي الشبه المفهوميّة ليس شيء من ذلك ، فالظاهر جريان البراءة في كلتا الصورتين ، فافهم.
في أدلّة الطرفين
الظاهر كما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١) كون تشعّب الأقوال المفصّلة بين المحكوم عليه وبه ، والمفصّلة بين بعض المشتقّات وبعض ، وبين مبادئ بعضها ومبادئ البعض الآخر حادثا بين المتأخّرين بعد أن كانت المسألة ذات قولين بين المتقدّمين : كونه حقيقة في خصوص المتلبّس وإليه ذهب عموم الأشاعرة ، أو الأعمّ وإليه ذهب المعتزلة ، والحقّ هو الأوّل وفاقا للأشاعرة.
والدليل على ذلك هو التبادر ، ولا يخفى أنّ التبادر في وضع الهيئات أمر يمكن إثباته بسهولة بخلاف التبادر في الوضع الشخصي ؛ وذلك لأنّ الوضع الهيئي لا يخصّ لغة خاصّة بل يعمّ سائر اللغات ، فيكون دعوى التبادر فيه سهلة الإثبات بالرجوع إلى أيّ لغة شاء وملاحظتها ، وهذا بخلاف الوضع الشخصي مادّة فإنّه يختصّ بتلك اللغة دون غيرها.
وبالجملة فالمتبادر لكلّ من أنصف نفسه ولم يتعصّب هو خصوص المتلبّس بالمبدإ وإن اختلفت أنواع التلبّس كما تقدّم.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٦٤.