التنبيه الثاني : في الفرق بين المشتقّ ومبدئه
قد ذكر الفلاسفة الذاهبون إلى كون مفهوم المشتقّ بسيطا إلى أنّ الفرق بين المشتقّ ومبدئه هو أنّ المشتقّ معتبر بلا شرط من ناحية الحمل ، والمبدأ معتبر بشرط لا أي بشرط عدم صحّة الحمل.
وقد أشكل في الفصول (١) بأنّ العلم لو أخذ بلا شرط أيضا لم يصحّ حمله على الذات أيضا ، فليس التفاوت بينهما بما ذكر ، بل التفاوت بينهما مفهومي.
وقد أجاب صاحب الكفاية قدسسره (٢) بأنّ مرادهم من أخذ المفهوم ليس هو المفهوم الواحد كما هو المتعارف عند إطلاق هذه العبارة ، بل مرادهم أنّ التفاوت بينهما تفاوت ذاتي وأنّ المشتقّ ذاته غير آبية عن الحمل ، بخلاف المبدأ فإنّ ذاته آبية عنه ، واستشهد لذلك بما ذكروه في الفرق بين المادّة والهيولى وبين الجنس وبين الصورة والفصل.
ولا يخفى أنّ ما ذكره صاحب الفصول قدسسره متين جدّا ، فإنّ ظاهر كلامهم أنّ الماهيّة الواحدة المشتركة في جامع واحد يجمعها إن لوحظت لا بشرط كانت مشتقّا مثلا ، وإن لوحظت بشرط لا كانت مبدأ بنحو يكون هذان القيدان هما المميّزان للمشتقّ ومبدئه.
وما ذكره صاحب الكفاية قدسسره من شهادة كلامهم في الهيولى والصورة على ما ذكره كافل بعكس مقصوده ، فإنّ الهيولى والجنس شيء واحد إنّما اختلفا باعتبار أخذ الهيولى بشرط لا والجنس لا بشرط ، فالذات فيهما واحدة ليس بينهما تغاير ذاتي أصلا ، وذلك أنّهم ذكروا أنّه تارة يتصوّر الشيء بتمامه فيتصوّر الإنسان بأنّه حيوان ناطق وهو النوع ، واخرى يتصوّر بأجزائه ، فإن تصوّر بما به الاشتراك فهيولى وإن تصوّر بما به الامتياز فصورة.
__________________
(١) الفصول : ٦٢.
(٢) كفاية الاصول : ٧٤ ـ ٧٥.