وأمّا ما ذكر من عدم صحّة النسبة بمجرّد الإيجاد والتكوين وإلّا لصدق «نائم» فلا يخفى جوابه ، فإنّ الصفة تحتاج إلى نسبة ما إلى الموصوف ، فقد تكون نسبة حلول ، وقد تكون نسبة صدور ، وقد تكون نسبة قيام ، وقد تكون غير ذلك. وهذا ليس له ميزان كلّي بل المتّبع استعمال العرب ، فتراهم في بعض الأحيان لا يستعملون إلّا مع قيام المبدأ بالذات قياما حلوليّا وقد يستعملون مع قيامه قياما صدوريّا كما في «خالق» و «رازق» و «متكلّم» فهل يلتزمون في «خالق» و «رازق» و «قابض» و «باسط» وغيرها برزق نفسي وخلق نفسي وقبض وبسط نفسيّين؟ إلى غير ذلك. وصدور ذلك منه إنّما هو بإيجاد المبدأ واتّصافه به بذلك اللحاظ. ولا يضرّ الاتّصاف ؛ لأنّه من صفات الفعل إنّما ينتزع من الفعل ، وليس من صفات الذات حتّى يلتزم بالاتّحاد.
وبالجملة ، فلا نعقل للكلام النفسي معنى متصوّرا ، والتصديق فرع التصوّر.
هذا تمام الكلام في الكلام النفسي وقد اتّضح أنّ استدلال بعضهم بقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(١) أجنبيّ عن المقام ؛ إذ هو من قبيل النيّة ، ومكافاة الله عليها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ليس لها ربط بالكلام النفسي.
[الجهة الرابعة] : في أنّ أفعال العباد لمن تستند؟
وقع الكلام في أفعال البشر وأنّها صادرة قهرا على العبد ، أم أنّها صادرة باختياره وإن كان اختياره مستندا إلى إرادة الله ، أم أنّها صادرة باختياره من غير أن يستند اختياره إلى إرادة الله ، أم أنّها أمر بين الأمرين؟
__________________
(١) البقرة : ٢٨٤.