العصاة أرقى مراقي جنّته! وأنّ الظلم منه لا يتحقّق وإن عاقب غير المستحقّ للعقاب كما في العصاة ، فإنّ الظلم هو التصرّف في سلطان الغير ، وكلّ ما في العالم تحت سلطان الله تعالى ، فله أن يتصرّف فيه كيف شاء ، وإنّه لا يسأل عن شيء ، فله أن يعاقب العصاة (١) وليس ذلك ظلما لهم ؛ إذ هم تحت سلطانه والآيات الواردة في نفي الظلم عنه في الحقيقة من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع ، وكيف يحكم المربوب على ربّه بلزوم الثواب ووجوبه للمطيع ووجوب العقاب للعاصي؟ وهل يمكن أن يحكم العبد على مولاه؟ ... إلى آخر كلماتهم الفارغة عن المعاني المعقولة.
والجواب : أنّ معنى حكم العقل ليس بمعنى أنّ العقل يلزمه بذلك ، بل بمعنى أنّ العقل يدرك أنّ الله كذلك ، كما يدرك أنّه موجود وأنّه قادر وأنّه قديم أزليّ ... إلى آخر الصفات الثبوتيّة. فهذا العقل المدرك لذلك مدرك أنّه عادل وليس بظالم ؛ لأنّ الظلم إمّا أن ينشأ من الجهل أو العجز وتعالى الله عنهما ؛ إذ إنّه إمّا أن يكون مريدا لشيء في يد الغير فيعجز عنه فحينئذ يأخذه منه بغير حقّ فيكون ظلما ، أو يكون جاهلا بأنّ الظلم قبيح ، وكلاهما منفيّان عنه تعالى.
وأمّا ما ذكروه : من أنّ الظلم لا يتحقّق إذ كلّ ما في العالم فهو ملك له وليس تصرّفه فيه تصرّفا في غير ملكه ففيه ما لا يخفى ؛ إذ إنّ الظلم غير منحصر في التصرّف في ملك الغير ، بل الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير محلّه ؛ ولذا يقال : ظلم نفسه ، كما ورد في القرآن مرارا وكرارا. وحينئذ فإثابة العاصي وحرمان المطيع بل عقابه وضع للشيء في غير محلّه ، ويشهد لذلك ما نراه في الموالي العرفيّة ، فإنّ السيّد إذا كان له عبدان ملكا له وأحدهما من بدء أمره مطيع والآخر من بدء أمره عاص ، فهل يحسن منه أن يثيب العاصي ويمنع المطيع؟ كلّا! بل يعدّونه ظالما أو سفيها.
__________________
(١) كذا ، والظاهر : المطيعين.