مضافا إلى أنّ تجويز عقاب المطيع وثواب العاصي يرفع حكمة إرسال الرسل وإنزال الكتب ؛ إذ يجوز أن يعاقب من لم يخرج عن طاعته وهو المؤمن ويثيب من لم يخرج عن معصيته وهو المشرك.
فإن أجابوا ـ كما أجابوا ـ بأنّ وعده تعالى للمؤمن بالثواب وللعاصي بالعقاب هو الذي يحسن بعث الرسل وإنزال الكتب.
قلنا : ما المانع من أن يخلف وعده؟
فإن أجابوا بأنّه أخبر أنّه لا يخلف الميعاد ، قلنا : ما المانع من كذبه؟ إذ ليس عمله قبيحا حسب الفرض. وربّما أجابوا بأنّ الله قد جرت عادته على إثابة المطيع ومؤاخذة العاصي وإن كان لو عكس لم يفعل قبيحا. وليت شعري! كم عاشره الأشاعرة من السنين فعرفوا عادته؟
وبالجملة ، فهذه كلمات فارغة ليس تحتها شيء.
وقد احتجّوا على ذلك بوجوه :
أحدها : نقليّ ، وهو الاستدلال بظواهر بعض الآيات من أنّ الله ليس له شريك في خلق الممكنات وأفعال العباد من الممكنات.
والجواب أوّلا : أنّ البحث عقليّ فلا يحسن فيه الاستدلال بالظواهر. وثانيا : أنّ كونه خالقا لا شريك له نحن نقول به أيضا ، إلّا أنّ معناه خالق كلّ شيء ، يعني ليس هو خالق السماء وخالق الأرض غيره وليس هو خالق الإنس وخالق الجنّ غيره ، بل هو خالق جميع الأشياء من الجواهر بقرينة قوله تعالى لعيسى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ)(١) فنسب الخلق إلى عيسى ، وكذا قوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٢) فنسب الخلق إليهم ، وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(٣) فإذا لم يكن
__________________
(١) المائدة : ١١٠.
(٢) العنكبوت : ١٧.
(٣) المؤمنون : ١٤.