وقول : إنّه لما ذا وجد؟ نقول : لأنّ الموجد اختار إيجاده لملاءمته لطبعه فقد اختاره.
ودعوى : أنّ الممكن لا بدّ له من علّة مسلّمة لكنّها بمعنى الموجد وهو متحقّق في المقام ، وأمّا أنّ الفعل حينئذ يلزم أن يكون جبريا وواجب الصدور فلا ، ولو كان كذلك لنقل الكلام إلى أفعاله تعالى حرفا بحرف ، فهل يلتزمون بالجبر فيها؟ وغير بعيد منهم ذلك بعد نفي القبح والحسن عن أفعاله ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا!
ومن الظرائف المنقولة : أنّ ناصر الدين شاه سأل المحقّق السبزواري ـ لمّا مرّ على سبزوار ـ عن الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين ، فقال افصّل لك أم اجمل؟
فقال : بل أجمل ، فقال : الجبر «لا حول ولا قوّة إلّا لله» والتفويض «لا حول ولا قوّة إلا لي» والأمر بين الأمرين «لا حول ولا قوّة إلّا بالله». وقصّة بهلول رحمهالله مع أبي حنيفة ورميه له بالحجر مشهورة ومسطورة ، فافهم.
وبالجملة ، فليس في الأفعال الصادرة منّا غير ذلك كما ذكرنا.
وما ذكره بعضهم : من أنّ الفعل مستند إلى الإرادة وأنّها الشوق الأكيد النفساني ، فلا نعلم مستنده أصلا هل المستند إلى هذا هو الحاجبي أم هو العضدي أم غيرهما؟ وليس له أصل في كتب اللغة ، فإنّ الإرادة في اللغة بمعنى المشيئة ، ومنه : إذا أراد الله شيئا ... الخ ، يعني إذا شاء. ومنه : ما ورد في الحديث : «إنّ الله خلق المشيئة بنفسها وخلق الأشياء بالمشيئة» (١).
وبالجملة ، فالإرادة في جميع الأخبار الواردة عن أهل البيت المراد بها المشيئة ، وهي في العرف أيضا بهذا المعنى مشهورة الاستعمال. وقد تطلق لغة على معنى آخر وهو التهيّؤ في قوله [تعالى] : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ)(٢) وبهذا المعنى تسند إلى الجامدات أيضا.
__________________
(١) الكافي ١ : ١١٠ ، الحديث ٤.
(٢) الكهف : ٧٧.