والجواب : أنّ جهة استحالة الإهمال في الواقع في الطبائع بحسب تقسيماتها الأوليّة هو استحالة جهل الحاكم بموضوع حكمه ، وهذا بعينه وارد في الانقسامات الثانوية ؛ إذ المولى الملتفت إلى أنّ حكم هذا يكون معلوما لبعض المكلّفين ومجهولا لبعض آخر لا بدّ أن يقيّد التكليف بخصوص العالمين أو يطلق أو يقيّد بالطرف الآخر ؛ لاستحالة الإهمال في الواقعيّات لأدائه إلى جهل الحاكم بموضوع حكمه. وكذا الآمر بشيء إذا التفت أنّ أداء ذلك العمل ينقسم إلى أداء بقصد الأمر وأداء لا بقصده لا ينفكّ أن يقيّده بقصد الأمر أو لا بقصده أو يطلق ، فالإهمال مستحيل في مقام الثبوت من غير فرق بين الانقسامات الأوّلية والثانوية أصلا ؛ لعموم الملاك. وحينئذ فإذا التفت إلى انقسام موضوع التكليف إلى ثلاثة : ما قصد به الأمر ، وما لم يقصد به الأمر ، والمطلق ، فالمصلحة الباعثة على التكليف إن كانت كائنة من صرف العمل فيطلق التكليف ، وإن كانت مقيّدة بصدوره بقصد الأمر أو لا بقصده يلزمه التقييد بأحدهما أيضا.
وأمّا ما ذكره قدسسره : من أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق ؛ لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة فهو ـ أي الإطلاق ـ عدم التقييد ممّا هو قابل للإطلاق والتقييد معا ، فهو مسلّم إلّا أنّه في باب التقابلات يريدون القابلية النوعيّة أو الصنفيّة أو الجنسيّة أو غيرها لا خصوص القابليّة الفرديّة ، مثلا يقال للعقرب : إنّه أعمى مع أنّ فرده أو نوعه غير قابل للبصر ، ومع ذلك يطلق عليه العمى باعتبار قابليّته النوعيّة ؛ إذ الحيوان قابل ، فقد يكون استحالة أحد المتقابلين تقابل العدم والملكة يستدعي ضروريّة الطرف الثاني ، مثلا نحن يصدق علينا أنّا جاهلون بمعرفة كنه الحقّ وصفاته الذاتية مع استحالة العلم لنا بذلك ، كما أنّه لا يصدق في حقّه أنّه غير عالم بعبيده ، فهل يستحيل العلم حينئذ؟ كلّا! ثمّ كلّا! تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، بل استحالة أحد المتقابلين تستدعي ضروريّة الآخر في هذه الأمثلة وفي مقامنا أيضا ، فإنّ غرضه إمّا أن يتعلّق بما يؤتى به بقصد الأمر ، أو يتعلّق بما يؤتى به لا بقصد الأمر ،