فظهر الخلاف ، والشارع إنّما أمضى ذلك ، فلا أساس للسببيّة أصلا بجميع معانيها. نعم ، لو أنّ الشارع جعلها جعلا ابتدائيا لاحتمل فيها ذلك لكنّه إنّما أمضى العقلاء على عملهم ، ومعلوم أنّ العقلاء لم يجعلوا حكما وليس من شأنهم ذلك كما تقدّم ، فافهم.
وينبغي التنبيه على امور :
[الأمر] الأوّل :
أنّه فرّق صاحب الكفاية قدسسره على القول بالسببيّة بين تعلّق الأمارة بمتعلّق التكليف وبين تعلّقه بنفس التكليف (١) ، فحكم بالإجزاء وسقوط الأمر الواقعي لو كان مؤدّى الأمارة متعلّق التكليف ، وبعدم الإجزاء وعدم سقوط الواقع حيث تتعلّق الأمارة بنفس التكليف ، وذلك لاستيفاء المصلحة في المتعلّق حسب الفرض ، فلا مجال للواقع. وأمّا نفس التكليف فاستيفاء مصلحة الظهر مثلا لا ينافي أن يستوفي المكلّف مصلحة الجمعة أيضا ؛ لأنّها مشتملة على مصلحة ملزمة ولا مضادّة بين المصلحتين.
وللنظر فيما أفاده مجال واسع ، فإنّ الأمارة سواء تعلّقت بالواجب أو بالحكم إن كانت ناظرة إلى الواقع وأنّ ذلك المتعلّق المعلوم إجمالا أو الحكم المعلوم إجمالا هو هذا ، فلا بدّ من الالتزام بالإجزاء على السببيّة من غير فرق بين الحكم والمتعلّق. وإن لم تكن ناظرة إلى أنّ المتعلّق أو الحكم المعلوم إجمالا هو هذا ، بل إنّها تذكر متعلّقا أو حكما بلا نظر إلى الواقع فاستيفاء مصلحته لا تنافي بقاء مصلحة الواقع على إلزامها غير مستوفاة ، فإنّ استيفاء مصلحة بعض الأحكام أو المتعلّقات لا يتدارك مصلحة الأحكام والمتعلّقات الأخر (*).
__________________
(١) كفاية الاصول : ١١٢.
(*) لا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ على السببيّة الإماميّة لو قلنا فيها بالإجزاء ، وعلى السببيّة المعتزليّة أيضا تتمّ ؛ لأنّ وجود مصلحة على طبق مؤدّى الأمارة لا يرفع مصلحة الواقع ؛ إذ لا طريقية ، فافهم.