ولهذا أجمع المتأخّرون ـ إلّا من شذّ (١) ـ على عدم نجاسة البئر بوقوع النجاسة فيها بعد إجماع المتقدّمين على تنجّسها بذلك ، وما ذاك إلّا لاطّلاع المتأخّرين على فساد مدرك القدماء في ذلك.
وبالجملة ، فالإجماع غير محقّق وعلى تقدير تحقّقه فمعلوم فساد مدركه.
نعم ، في خصوص الصلاة نلتزم بالإجزاء في غير الركوع والسجود والطهارة والوقت والقبلة وتكبير من فرضه القيام جالسا وبالعكس ، لحديث «لا تعاد» (٢) بناء على ما هو الحقّ من شمولها للقاصر. وفي غير الصلاة من العبادات فضلا عن غيرها لا نلتزم بالإجزاء بل نبقى على مقتضى القاعدة من عدم الإجزاء.
ثمّ إنّ ما ذكرناه من الإجزاء وعدمه لا يفرق فيه بين المجتهد والمقلّد ، فكما لا يجزئ للمجتهد لا يجزئ للمقلّد أيضا ؛ لعدم إدراك الواقع ولا بدله.
ودعوى كون فتوى المفتي من قبيل السببيّة بالإضافة إلى المقلّد ـ ولذا يعتمد عليه وإن ذهب المشهور إلى خلافه مع أنّ ذهاب المشهور يوجب الظنّ بخطاه ؛ لأنّه أقرب من خطاهم جميعا ـ مردودة [أوّلا] بما ذكرنا : من أنّ التقليد ليس أمرا مستقلّا بالجعل الشرعي ، بل رجوع الجاهل إلى العالم أمر عقلائي ارتكازي والشارع أمضى ذلك ، ومعلوم أن ليس جعل العقلاء إلّا من باب الطريقيّة لا السببيّة.
وثانيا : أنّه لا معنى للسببيّة ، لأدائها إلى التصويب كما تقدّم أيضا. وما ذكره دليلا من وجوب العمل به وإن وجد الظنّ بخلافه فهذا لا يلازم السببيّة ؛ إذ جميع المجعولات الشرعيّة من الطرق والأمارات لم يعتبر فيها عدم الظنّ بالخلاف كما في حجّيّة الظواهر والبيّنة والخبر الواحد وغيرها ، فليكن المقام من قبيلها.
الأمر الرابع :
لا يخفى أنّ ما ذكرنا من الإجزاء وعدمه حيث يكون حكم شرعي ظاهري ،
__________________
(١) مثل الشهيدين في اللمعة وشرحها ، انظر الروضة البهيّة ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٢) الوسائل ١ : ٢٦٠ ، الباب ٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ٨.