مقارنة العلّة للمعلول بتمام أجزائها فلا تتقدّم عليه ، لوجود ملاك الاستحالة في كلا المقامين من الشرط والمقتضي المتقدّمين والشرط المتأخّر (١).
ولا يخفى عليك ما في كلامه من المسامحة أوّلا ، فإنّ قوله أوّلا : ويجب تقدّم العلّة بتمام أجزائها على المعلول ، إن أراد به التقدّم الرتبي فمتين ، إلّا أنّه كيف يفرّع عليه استحالة الشرط المتأخّر زمانا؟ وإن أراد به التقدّم الزماني ، فلما ذا استشكل في المقدّمة المتقدّمة زمانا؟ حتّى سرّى الإشكال إلى العقد الواحد بالإضافة إلى غالب أجزائه لتصرّمها حين حصول الأثر الذي هو الملكية مثلا.
وثانيا : أنّ ما ذكره قدسسره من سراية الإشكال في المقدّمة المتقدّمة غير صحيح أصلا ، فإنّ أجزاء العلّة لا يعتبر مقارنتها بتمامها للمعلول ، وإليك مثال التكوينيّات ، مثلا إذا كان الصعود على السطح موقوفا على رقى عشر من الدرجات فرقى الاولى قطعا من أجزاء العلّة ، ومعلوم أنّه يتحقّق ولا يتحقّق الصعود على السطح إلّا بعد رقيّها بأسرها ، فالأخيرة هي الجزء الأخير من أجزاء العلّة وهي التي يستحيل انفكاكها عن المعلول ؛ إذ الجزء الأخير هو العلّة التامّة وهو الذي يستحيل فيه انفكاكه عن المعلول.
وبالجملة ، فأجزاء العلّة المركّبة لا يمكن مقارنتها للمعلول حتّى يلزم ذلك.
وبالجملة ، فقد ظهر أنّ الإشكال إنّما يختصّ بخصوص المقدّمة المتأخّرة المعبّر عنها بالشرط المتأخّر.
فيقال : إنّه إن وجد المعلول قبل حصول الشرط المتأخّر فقد وجد قبل علّته ، ويستحيل ذلك ؛ إذ الممكن لا يترجّح وجوده وعدمه إلّا بمرجّح ؛ لاستحالة الترجّح من دون مرجّح ، إذ هو بمعنى وجود المعلول قبل علّته. وإن لم يوجد استحال الشرط المتأخّر ، فيقع الكلام في الشرط المتأخّر.
__________________
(١) كفاية الاصول : ١١٨.