لا يعلم أنّ تكليفه في السفر إلى أربع فراسخ هو القصر أم الإتمام وكان قادرا أن يستعلم حكم المسألة ، ولكنّه لم يتعلّم فاحتاط فأتى بفرضين : أحدهما القصر والآخر الإتمام ، فأحرز الواقع بذلك ؛ لعدم اعتبار نيّة الوجه الجزميّة عنده. ولا قائل بحسب الظاهر بلزوم التعلّم في المقام ؛ لأنّ القائل بوجوب التعلّم النفسي يقول بوجوبه النفسي لغيره لا لنفسه ليكون عقاب على تركه لذاته ، والمفروض حصول الواقع وإحرازه أيضا بالاحتياط. ومعنى وجوبه النفسي لغيره : أنّ وجوبه ليس ترشّحيّا ، بل بأمر صادر من المولى ، وليس لأجل كون التعلّم كمالا في نفسه بل لأجل العمل ، فهو نظير ما إذا أراد المولى شرب الدواء فأمر عبده بشرائه فأمره حينئذ نفسي لغيره لا لنفسه ، أي للشرب لا لنفس الشراء ، فافهم.
وأمّا الكلام في المورد الثاني : وهو ما إذا كان ترك التعلّم موجبا لفوت الإحراز للامتثال ، كما في دوران الأمر بين المحذورين الوجوب والحرمة ، فإنّ الإتيان أو الترك مكلّف بهما ، إلّا أنّه لو تعلّم حكمه لعلمه ، ولكنّه لم يتعلّم. أو تردّد الواجب بين أطراف كثيرة وكان غير قادر على فعل الجميع وقادرا أن يتعلّم حكمه بالسؤال ، فالظاهر وجوب السؤال ؛ لأنّ الواجب الواقعي لا بدّ من إحرازه حيث يمكن وهو في المقام ممكن ، فلو ترك التعلّم فاتّفق أنّ الذي أتى به غير الواجب كان للمولى عقابه على ترك الواجب ، ولو اتّفق لحسن حظّه أنّه الواجب كان متجرّئا ؛ لأنّه أقدم على ترك الواجب لو كان هو الثاني ، فافهم.
وأمّا المورد الثالث : وهو ما إذا كان ترك التعلّم مقتضيا لفوت الواجب ، كما في من لا يعرف القراءة في الصلاة ، فإذا ترك التعلّم قبل الوقت يفوته الواجب في ظرفه. فإذا قلنا بمقالة المحقّق الأردبيلي (١) ومن تبعه (٢) وهو أنّ التعلّم واجب نفسي لغيره ، وجب
__________________
(١) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠.
(٢) انظر المدارك ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ و ٣ : ٢١٩.