فهو متعدّد بتعدّد أفراد المتعلّق ، فإذا علمنا بلزوم رفع اليد عن أحد الظهورين ـ إذ العالم الفاسق لا يمكن أن يكون محكوما بكلا الحكمين معا ـ فرفع اليد عن إطلاق «لا تكرم فاسقا» موجب لتخصيص «لا تكرم فاسقا» بغير العالم ، فيكون مؤدّاها «لا تكرم فاسقا غير عالم». ولكن «أكرم عالما» إذا رفعنا اليد عنها فإنّما رفعنا اليد عن كونها شائعة بين أفراد كثيرة إلى كونها شائعة بين أفراد أقلّ من المقدار الذي كانت قبل شائعة فيه ؛ إذ إنّ «أكرم عالما» كان قبل التقييد مشاعا بين أفراد كلّ عالم وهم مائة ، ولكنّه أصبح شائعا بين خمسين وهم العالم الغير الفاسق مثلا ، ولا ريب في أنّه أخفّ مئونة وأقلّ كلفة من التخصيص فيقدّم عليه.
أقول : لا يخفى أنّ «أكرم عالما» ذات حكمين :
أحدهما : المدلول المطابقي ، وهو لزوم إكرام عالم ، وهذا الحكم له إطاعة واحدة وعصيان واحد ؛ لعدم انحلاله له إلى أفراد ، كما في «لا تكرم فاسقا».
الثاني : مدلوله الالتزامي ، وهو الترخيص في تطبيق ذلك العالم على كلّ فرد فرد من أفراد العلماء ؛ لعدم تحقّق مقيّد تضيق به دائرة التطبيق ، وهذا الحكم حكم شمولي ، فرفع اليد عن الإطلاق في البدلي مخالفة لعموم شمولي ورفع يد عنه ، غير أنّ هذا الحكم شمولي مستفاد من دلالة الالتزاميّة لا مطابقيّة ، وهذا ليس فرقا ، وحينئذ فلا مرجّح لرفع اليد عن أحد الإطلاقين.
وثانيا : أنا لو سلّمنا أنّ الحكم في المطلق بدلي محض ولا يستلزم حكما شموليّا ، فلما ذا يتقدّم الإطلاق الشمولي على الإطلاق البدلي مع كون كلّ منهما خلاف ظهور اللفظ؟ إذ المطلق الشمولي ظاهر في الشمول ، والمطلق البدلي ظاهر في سعة الدائرة ، وكلّ من هذين الظهورين إنّما انعقد بالإطلاق ومقدّمات الحكمة. وإنّما يصحّ رفع اليد عن أحد الظهورين حيث يكون أحدهما أقوى ، كما إذا كان إطلاق أحدهما وضعيّا فإنّه حينئذ غير موقوف على مقدّمات الحكمة ، فيكون بيانا للثاني فلا يتمّ عدم البيان فيه الذي هو من جملة مقدّمات الإطلاق ، فافهم.