بين الوجوب النفسي والغيري فلا بأس بأن يعرّف النفسي بما وجب لغرض فيه نفسه ، والغيري بما وجب لغرض في غيره ، وهذا التعريف لا يرد عليه شيء ممّا تقدّم.
(ثمّ إنّ هناك نوعا آخر من الواجبات يشكّل عددا من الواجبات الغيرية. وهي المقدّمة التي يكون تركها مفوّتا لملاك ملزم ، كالغسل في ليل شهر رمضان بناء على أنّ وجوب الصوم إنّما هو عند الليل ، فبترك الغسل ليلا لا يتمكّن من الصوم فجرا ، إلّا أنّ الصوم ليس بواجب ليلا حسب الفرض ، وإنّما يحدث وجوبه عند الفجر ، فليس الغسل ليلا مقدّمة للواجب ، وإذا لم يغتسل لم يأمره الشارع بالصوم المشروط بالغسل ؛ لأنّه تكليف بما لا يطاق. نعم ، ترك الغسل مفوّت للملاك الملزم ، فإن قلنا ـ كما هو المعروف ـ من أنّ الوجوب الغيري ما يترشّح من الوجوب النفسي فليس هذا بواجب غيري ، وإن قلنا ـ كما هو الصحيح ـ من أنّ الواجب الغيري ما يترشّح من ملاك الواجب النفسي ، فيكون كلّ من الواجب النفسي والغيري معلولا للملاك الملزم فلا بأس بتسميته بالواجب الغيري لذلك) (١).
وأمّا المقام الثاني وهو ما إذا شكّ في واجب أنّه نفسي أم غيري فما هو مقتضى الأصل اللفظي؟
فنقول : إنّه إذا كان ثمّة إطلاق لفظي يتمسّك به في إثبات النفسية ؛ لأنّ الوجوب الغيري محتاج إلى التقييد بوجوب الغير ، فإذا كان هناك إطلاق فيتمسّك به في نفي الغيريّة ، كما يتمسّك به في نفي العدل حيث يحتمل التخييريّة ، وكما يتمسّك به في نفي الوجوب عن الإنسان بفعل غيره حيث يحتمل الكفائيّة في الوجوب.
وقد أورد الشيخ الأنصاري قدسسره على ما نسب إليه (٢) أنّه لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، إمّا لأنّ المعاني الحرفيّة جزئيّة فهي غير مطلقة حتّى تصلح للتقييد كما هو
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) نسبه في أجود التقريرات ١ : ٢٤٥ وانظر مطارح الأنظار ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣.