في ترتّب الثواب على الواجب الغيري وعدمه :
لا ريب في استحقاق الثواب بالمعنى الآتي على امتثال الأمر النفسي ، كما لا ريب في استحقاق العقاب على مخالفته ، ولكن بين استحقاق العقاب واستحقاق الثواب فرقا وهو : أنّ استحقاق العقاب بمعناه المعلوم «فإن عفا فبفضله وإن عذّب فبعدله» إلّا أنّ استحقاق الثواب ليس بمعنى أنّ للعبد مطالبته ، كلّا ، فإنّ إطاعته من مقتضيات عبوديّته وليس أجيرا للمولى كي يستحقّ أجرته ، بل معنى استحقاقه الثواب هو حسن إثابة المولى له ، بمعنى كون إثابة المولى له كانت إثابة لأهلها لا كإثابة العاصي فإنّها إثابة في غير محلّها.
ومن هذا القبيل ورد : من تاب كان كمن لا ذنب له (١) ، فإنّ التوبة رجوع العبد إلى مولاه ، والعبد الآبق رجوعه إلى مولاه من وظائف عبوديّته فليس له استحقاق المطالبة ، ولكن غفران ذنوبه تفضّل من المولى. فجميع موارد الإثابة كلّها من باب التفضّل ، والتعبير بالاستحقاق بمعنى كون المحلّ أهلا لذلك ، لا بمعنى حسن المطالبة كالأجير. نعم للعبد مطالبة المولى بوعده ؛ فإنّه وعد المحسنين أن يعفو عنهم ويتجاوز عن سيّئاتهم ويدخلهم الجنّة التي عرّفها لهم وغير ذلك ، إلّا أنّ هذه المطالبة من جهة لطف الله وكماله وأنّ المؤمن لا يخلف وعده فكيف بالله عزوجل ، وليس المطالبة لإطاعة العبد ، كلّا ثمّ كلّا (*). هذا كلّه في الواجبات النفسيّة.
وأمّا الواجبات الغيريّة فقد ذكر صاحب الكفاية (٢) أنّها لا ثواب في موافقتها ولا عقاب في مخالفتها ، وإنّما يترتّب الثواب والعقاب على موافقة النفسي ومخالفته.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ، الباب ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ٨ و ١٤.
(*) ولعلّ ما ورد من قولهم : خف الله خوفا لو أتيته بحسنات الثقلين لعذّبك وارجه رجاء لو أتيته بذنوب الثقلين لغفر لك ، ـ الوسائل ١١ : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، الباب ١٣ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١ و ٦ ـ إشارة إلى ذلك. (الجواهري).
(٢) كفاية الاصول : ١٣٨.